96/12/12
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: البحث عن صور الشكّ في حكم الملاقاة
وأمّا القول الثاني: وهو الذي قوّاه المحقّق النائيني بدواً ثمّ اختاره، قال قدسسرهفي فوائده:
(ولو شكّ في أحد الوجهين، ففي وجوب الاجتناب عن الملاقي لأحد طرفي العلم الإجمالي وعدمه وجهان، أقواهما وجوب الاجتناب عنه، ويتّضح وجهه بتقديم مقدّمة ربما تمرّ عليك في بعض المباحث الآتية، وهي:
(أنـّه لو دار الأمر بين شرطيّة أحد الشيئين ومانعيّة الآخر:
فتارةً: لا يكون بين الشيئين واسطة، بل كانا من الضدّين اللّذين لا ثالث لهما، كما إذا شكّ في أنّ الجهر بالقراءة شرطٌ في الصلاة أو الإخفات بها مانع، فإنّه لا واسطة بين الجهر والإخفات، ولا يمكن خلوّ القراءة عن الوجهين.
واُخرى: يكون بين الشيئين واسطة، كما إذا شكّ في أنّ السورة بشرط الوحدة شرطٌ في الصلاة، أو أنّ القرآن مانع، فإنّه يمكن خلوّ السورة والقرآن،فتكون الصلاة بلا سورة واسطة بينهما.
لا إشكال في جريان البراءة عن الشرطيّة المشكوكة في القسم الثاني،لرجوع الشكّ فيه إلى الأقل والأكثر، لأنّ شرطيّة السورة بقيد الوحدة تقتضي بطلان الصلاة بلا سورة، ومانعيّة القرآن لا تقتضي ذلك، فلا يشترك فعل الشرطيّة مع فعل المانعيّة في جميع الآثار، بل يكون في جعل الشرطيّة أثرٌ زائد تجري فيه البراءة ويعمّه حديث الرفع.
وبعبارة أوضح: في المثال المذكور يعلم تفصيلاً بأنّ القرآن مبطلٌ للصلاة: إمّا لفقد الشرط من السورة بقيد الوحدة، وإمّا لوجود المانع، ويشكّ في بطلان الصلاة بلا سورة للشكّ في شرطيّة السورة فتجري فيه البراءة.
وأمّا القسم الأوّل فالشكّ فيه يرجعُ إلى المتباينين لا إلى الأقلّ والأكثر، لاشتراك الشرطيّة والمانعيّة في الآثار، وليس للشرطيّة أثر زائد تجري فيه البراءة، إذ كما أنّ شرطيّة الجهر تقتضي بطلان الصلاة عند الإخفات بالقراءة،كذلك مانعيّة الإخفات تقتضي بطلان الصلاة عنده، فلا فرق بين أن يكون الجهر شرطاً أو يكون الإخفات مانعاً ويتّحدان في عالم الجعل والثبوت في الأثر.
نعم، نفس الشكّ في الشرطيّة يقتضي أثراً زائداً عمّا يقتضيه الشكّ في المانعيّة؛ لأنّ الشرط لابدّ من إحرازه، ولا يكفي الشكّ في وجوده، بخلاف المانع فإنّه لايلزم إحراز عدمه بناءً على جريان أصالة عدم المانع عند الشكّ في وجوده، ففي المثال لو شكّ المأموم في أنّ الإمام أجهرَ بالقراءة أو أخفت بها، فبناءً على مانعيّة الإخفات تجري أصالة عدم وجود المانع، ويتمّ صلاته مع الإمام، وبناءً على شرطيّة الجهر ليس له إتمام صلاته معه، لعدم إحراز ما هو الشرط في صحّة صلاته، فلزوم إحراز الشرط إنّما يكون من الآثار المترتّبة على نفس الشكّ في الشرطيّة، وليس من آثار جعل الشرطيّة، وحينئذٍ يقع الكلام في أنّ هذا المقدار من الأثر الذي اقتضاه الشكّ لا الجعل ممّا تجري فيه البراءة ويعمّه حديث الرفع أو لا.
وغاية ما يمكن أن يقال في تقريب جريان الأصل: هو أنـّه يلزم من جعل الشرطيّة ضيقٌ وكُلفةٌ على المكلّفين، لأنـّه يلزمهم إحراز وجود الشرط، بخلاف جعل المانعيّة فإنّهم في سعةٍ عن ذلك، فيعمّها حديث الرفع، وتجري فيها البراءة، لأنّ رفع الشرطيّة منّةٌ وتوسعة على المكلّفين، هذا.