96/11/07
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الاستدلال بالأخبار الدالّة على التنجيس
أقول: وممّا يشهد لذلك، عدم ترتيب آثار الملاقى بالفتح على الملاقي بالكسر في كثيرٍ من الأحكام، مثلاً لو لاقى شيءٌ بإناءٍ ولغ فيه الكلب حيث يجب في تطهير الإناء بالتعفير دون الملاقي، وهكذا يجب الغَسل مرّتين في ملاقى البول، وأمّا لو لاقى الماء الملاقي للبول شيئاً لا يجب غسله إلاّ مرّة واحدة، فإنّ جميع ذلك يدلّ على أنّ نجاسة الملاقي ليست بالاتّساع، وإلاّ كان اللاّزم ترتيب جميع تلك الآثار عليه.
الدليل الثالث: من الأدلّة القائمة على وجوب الاجتناب عن الملاقي بالكسر، إذا كانت الملاقاة والعلم بها بعد العلم الإجمالي بنجاسة أحد الإنائين الذين وقع التلاقي بأحدهما المعيّن.
هو أن يقال : إنّ الملازمة إذا كانت ثابتة بين نجاسة الشيء ونجاسة ملاقيه واقعاً، فحينئذٍ إذا حصلت الملاقاة وعلم بها ، فإنّه يوجب تحقّق ثلاثة علوم إجمالاً في البين:
أحدها: العلم الإجمالي الحاصل يباين نجاسة الملاقى أو الطرف الآخر.
ثانيهما: العلم الإجمالي بوجوده بين الملاقي بالكسر أو الطرف الآخر.
ثالثها: العلم الإجمالي بوجود النجاسة في المتلاقيين معاً أو الطرف الآخر.
أمّا وجود هذين العلمين الآخرين فممّا لا مجال لإنكاره، ومن ثمّ لو فرض انعدام الملاقى بالفتح، كان العلم الإجمالي بين الملاقى والطرف الآخر موجوداً، وهو يقتضي الاجتناب عنهما تحصيلاً للموافقة القطعيّة.
نعم، لو فرضت الملاقاة حاصلة بعد انعدام طرف الملاقى بالفتح، لم يكن العلم الإجمالي الثاني مؤثّراً، لعدم وجود علمٍ بالتكليف الفعلي على كلّ تقدير، الموجب لتساقط الاُصول في الأطراف.
وبالجملة: فمقتضى هذه العلوم الثلاثة، هو تعارض أصالة الطهارة في كلّ من واحد الثلاثة من الملاقي والملاقى والطرف الآخر، فيجبُ الاجتناب عن الجميع مقدّمةً لحصول العلم بالاجتناب عن النجس المعلوم في البين، هذا.
أقول: ويمكن أن يُجاب عن هذا الإشكال بجوابين:
أحدهما: ما أجاب به شيخنا الأنصاري قدسسره، وهو أنّ العلم الإجمالي بين الملاقى والطرف يكون من حيث الرتبة متقدّمة على العلم الإجمالي بين الملاقي والطرف الآخر؛ لأنّ نسبة الشكّ في نجاسة الملاقي والملاقى تكون نسبة السبب والمسبّب، فيكون الأصل الجاري في السبب حاكماً على الأصل الجاري في المسبّب، سواء كان الأصل الجاري في السبب مخالفاً للأصل الجاري في المسبّب، مثل أصالة الطهارة الجارية في الماء، الحاكمة على أصالة نجاسة الثوب المغسول به؛ لأنّ جريان أصالة الطهارة في الماء يوجب رفع الشكّ عن نجاسة الثوب المغسول به، وقد يكون الأصل موافقاً له مثل أصالة الطهارة في الماء الحاكمة على أصالة إباحة شربه، حيث إنّ الأصل الأوّل يوجبُ رفع الشكّ عن الثاني، فعلى هذا فما دام الأصل الحاكم الموافق أو المخالف يكون جارياً، لا تصل النوبة لجريان الأصل المحكوم، لأنّ الأوّل رافعٌ شرعي للشكّ المسبّب ويكون بمنزلة الدليل بالنسبة إليه.
نعم، إذا لم يكن للحاكم أصلاً لأجل سقوطه بالمعارضة مع الأصل الجاري في الطرف الآخر، كما في المقام، جرى في هذه الحالة الأصل الجاري في ناحية المسبّب أي الملاقي وهو أصالة الطهارة، ولا أصل يعارضها، فيحكم بطهارة الملاقي دون الملاقى والطرف الآخر.