96/11/02
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الاستدلال بالأخبار الدالّة على التنجيس
تقريب الاستدلال: إنّ السائل لم يرد بقوله: «الفأرة أهون.. إلى آخره»، جواز أكل الفأرة الميّتة مع السمن أو الزيت، بل أراد كسب الإجازة لأكل السّمن أو الزيت الملاقي لها، فجواب الإمام عليهالسلام في مقام التعريض بأنّ الله حرّم الميتة من كلّ شيء حتّى من ملاقيها، باعتبار أنّ عدم الاجتناب عن الملاقي عبارة عن عين عدم الاجتناب عن الميتة، فيدلّ على أنّ نجاسة الملاقي تكون عين نجاسة الميتة وحرمته عين حرمتها، فأكل الملاقي للميتة ينافي مع وجوب الاجتناب عن الميتة.
وبعبارة اُخرى: علّل عليهالسلام حرمة أكل الملاقي بحرمة الميتة، فيدلّ على اتّحادهما، وهو المطلوب.
أورد على هذا الاستدلال[1] : (بأنّ ظاهرها الملازمة بين حرمة الشيء سواء كان نجساً أم طاهراً، وبين حرمة ملاقيه، لأنّ الميتة المحرّمة لا تختصّ بالنجسة، وهي ميتة الحيوان الذي له نفسٌ سائلة، وليس هذا هو المدّعى الذي استدلّ عليه بهذه الرواية، بل المدّعى هو الملازمة بين نجاسة الشيء ونجاسة ملاقيه، فالاستدلال بها على المطلوب منوطٌ باختصاص الحرام بما إذا كان نجساً، وأمّا إذا كان طاهراً كميتة الحيوان الذي ليس له دمٌ سائل فلا يكون ملاقيه حراماً وواجب الاجتناب، وهذا خارج عن طريق الاستدلال بالرواية)، انتهى محلّ الحاجة[2] .
ويمكن أن يُجاب عنه: بما في رسائل الشيخ الأعظم الأنصاري بقوله:
(مع أنّ الظاهر من الحركة فيها النجاسة؛ لأنّ مجرّد التحريم لا يدلّ على النجاسة فضلاً عن تنجّس الملاقى، وارتكاب التخصيص في الرواية بإخراج ما عدا النجاسات من المحرّمات كما ترى، فالملازمة بين نجاسة الشيء وتنجّس ملاقيه، لا حرمة الشيء وحرمة ملاقيه)، انتهى كلامه.
أقول: ويؤيّد ما ذكره رحمهالله من أنـّه عليهالسلام كان بصدد بيان خصوص الميتة نجسة وهو الفأرة، مضافاً إلى كونها مورداً للسؤال، فلا يمكن فرض عدم شموله إذ هو القدر المتيقّن في متعلّق الحكم والجواب حتّى يناسب مع قوله لا تأكله، وإلاّ فإنّ ملاقاة الشيء مع ميتةٍ لا نجاسة فيها لا توجب حرمة أكله، فيفهم أنّ حكمه عليهالسلام ليس إلاّ لأجل نجاستها وهو المطلوب.
هذا كلّه مع فرض تسليم صدق الميتة على ما لا نفس سائلة له كالذباب والبقّ وغيرهما، مع إمكان الإشكال فيه أيضاً .
وكيف كان، فقد استدلّ بهذا الحديث على أنّ الحكم بالاجتناب عن ملاقيها ليس إلاّ لأجل الاجتناب عنالميتة، حيث لايتحقّق الثاني إلاّ بالأوّل عند الملاقاة، وهذا دليلٌ على مذهب السيّد ابن زُهرة رحمهالله .
اُجيب عن هذه الرواية أيضاً :
أوّلاً: بضعفالحديث بواسطة تضعيفالنجاشي لعُمر بنشمر،فلايصحّ التمسّك به.
وثانياً: احتمال تفسّخ الميتة في السَّمن، بحيث تحصل الامتزاج والاختلاط، فيصبحان بحكم الشيء الواحد في الاستعمال والاجتناب.
وثالثاً: أنّ الاستدلال مبنيٌّ على أنّ قوله عليهالسلام: «إنّ الله حرّم الميتة من كلّ شيء»، مسوقٌ لبيان نجاسة الملاقى للفأرة، وهو خلاف الظاهر، بل سيق لبيان ردّ قول السائل بأنّ «الفأرة أهون عليَّ من أن أترك طعامي لأجلها» لأنّ كلمة استخفافٌ بحكم الله تعالى لتعلّق حكمه على كلّ ميتة.