96/10/26
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: حكم ملاقي المشتبه لأطراف العلم الإجمالي
أمّا على الأوّل: ما ذكره بكون النهي عن كلّ واحدٍ من الطرفين في الشبهة المحصورة يعدّ نهياً عن نفسه وعن منافعه ولو أبعد عرفاً أمر متين في غاية المتانة من حيث الحكم التكليفي، لما حقّقناه في محلّه من أنّ العلم الإجمالي منجزٌ كالتفصيلي من تلك الناحية، سواء التزمنا بأنـّه علّة تامّة له أو أنّ فيه الاقتضاء، فإذا فقد المانع نتيجةً لتعارض الأصل في الطرفين، أوجب تنجّزه حينئذٍ، ويحكم بوجوب الاجتناب عن كليهما، لاحتمال وجود الغصب فيإحدىالشجرتين،فكما يجب الاجتناب عنهما بنفسهما، كذلك يجب الاجتناب عن منافعهما من مثل استعمال الأغصان وأكل الثمرات، هذا في الحكم التكليفي صحيح.
هذا بخلاف الحكم الوضعي، أي الحكم بالضمان فإنّ تصرّفه في ثمرة إحدى الشجرتين، كالتصرّف في ثمرة إحداهما معيّنة حيث إنّه يمكن أن يقال بعدم ترتّب حكم الضمان على هذا التصرّف، لعدم إحراز كونه تصرّفاً في مال الغير وإتلافاً له، والحال أنّ الدليل الوارد ينصّ على أنّ الحكم ثابت عند إحراز كونه مال الغير وإتلافه، وهو قوله عليهالسلام: «من أتلف مال الغير فهو له ضامن». وحيث إنّه في التصرّف في إحدى الشجرتين أو في ثمرته لا يُحرز ذلك، بل كان مشكوكاً، والأصل يقتضي عدمه فلا ضمان، ولا يعارضه أصالة عدم كونه مال نفسه، لعدم ترتّب أثر على مثل هذا الأصل، فوجوب الاجتناب عن مشكوك الغصبيّة، يكون أعمّ من لزوم الضمان لو تصرّف، لإمكان أن يكون وجه وجوبه من جهة مقتضى العلم الإجمالي كما في المقام، لا من أجل إحراز كونه تصرّفاً في مال الغير، حتّى يوجب تحقّق موضوع دليل من أتلف، ويستلزم الضمان، ولعلّ وجه عدم تعرّض المحقّق النائيني رحمهالله لحكم الضمان عند تفصيل حكم المسألة كان من أجل ما ذكرناه، وإن كان ظاهر كلامه المجمل في صدر المسألة من التعميم حيث قال: (سواء كان الحكم من مقولة الوضع أو من مقولة التكليف)، قد يوجب توهّم شموله للضمان أيضاً، كما استفاد ذلك المحقّق الخوئي، وأسند صراحة عدم الضمان إلى المحقّق النائيني قدسسره، مع إمكان التوجيه لكلامه بما لم يرد عليه هذا الإشكال الذي ذكرنا، وهو أن يكون مراده من مقولة الوضع هو عدم صحّة بيع الثمرة أو الشجرة، لأنّ دليل جواز البيع وصحّته منوطان بإحراز عدم كونه مال الغير، وكونه مِلكاً له، إذ لا بيع إلاّ ملك، ولا يمكن إحراز ذلك في مثله، ولو مع ملاحظة أصالة عدم كونه غصباً، لأنـّه لا يوجب إحراز كونه ملكاً له إلاّ بالأصل المثبت الذي لا نقول به، فعلى هذا التوجيه لا يرد على كلام المحقّق المزبور الإشكال الذي ذكرناه .
وأمّا الإشكال الوارد على المحقّق الخوئي رحمهالله: فإنّه يظهر لك بعد التأمّل فيما ذكرناه، فقد التزم رحمهالله بجريان أصل البراءة في الحكم التكليفي لعدم تحقّق موضوعه وهو التصرّف في مال الغير، وصرّح بذلك بقوله: (لعدم إحراز كون الثمرة مال الغير، فلو شكّ يرجع إلى أصالة عدمه، فلا يحرز كون التصرّف تصرّفاً فيه)، مع أنـّه أثبتنا آنفاً أنّ وجوب الاجتناب عن الغصب لا يكون متوقّفاً على إحراز كونه كذلك بعلمٍ تفصيلي، بل وجوب الاجتناب عنه يحصل بأحد العلمين ولو بعلم إجمالي، لأجل تنجّزه من حيث الحكم التكليفي في موارده، فيكفي وجوده لثبوت الحكم المذكور، وإلاّ لولا ذلك لاستلزم الحكم بجواز التصرّف في إحدى الشجرتين في أطراف العلم الإجمالي، لعدم إحراز كونه تصرّفاً في مال الغير، لاحتمال كون مال الغير في الطرف الآخر، والأصل الجاري بعدم كون الطرف الآخر مال الغير لايوجبُ إحراز كون هذا مال الغير إلاّ بالأصل المثبت ولا يقول به كما لا نقول به.
وعليه، فالأولى أن يقال بما ذكرناه بأنـّه يكفي في وجوب الاجتناب عن مال المغصوب أو النجس في ما شرطه الطهارة، هو العلم بوجوده ولو إجمالاً، وهذا يعيد الكلام إلى صحّة ما ذكره المحقّق النائيني رحمهالله من أنّ النهي عن الشجرة المغصوبة المحتملة في الشبهة المحصورة نهيٌ عرفاً عن منافعها وتوابعها فلابدّ من الاجتناب عنها، ولكن لو لم يجتنب لم يرتكب إلاّ حرمة تكليفيّة، لأجل العلم الإجمالي دون أن يترتّب عليه الضمان، إلاّ إذا انكشف كونه مال الغير، أو ارتكب التصرّف في كلتا الشجرتين، أو في ثمرتهما معاً، كما لايخفى.
الموضوع: الدفاع عن رأي الشيخ الأنصاري
أقول: وممّا ذكرنا يظهر فساد كلام المحقّق المزبور فيما أورده على الشيخ الأنصاري قدسسره، لأنـّه لو سلّمنا عدم إمكان الاستدلال بالحديث لأجل الإرسال، مع أنـّه منجبرٌ بعمل الأصحاب، إذ المشهور قد عمل به وتمسّك بمدلوله، لكن لا يصحّ جعل الشكّ في الحرمة سبباً للحليّة شرعاً لأدلّة البراءة؛ لأنّ ذلك إنّما يصحّ في الشبهاتالبدويّهلا فيمايندرجعرفاًفيأطرافالعلمالإجماليفيالشبههالمحصورة، الموجب للحكم بوجوب الاجتناب وحرمة التصرّف، وقد عرفت أنّ النهي عن إحدى الشجرتين نهيٌ عن منافعها وتوابعها، فمع وجود أثر العلم الإجمالي لا يبقى مورد للرجوع إلى أصل البراءة ولا الاستصحاب العدم الأزلي، لقيام الحجّة على وجوب الاجتناب، وهو العلم الإجمالي، كما هو الأمر كذلك في ناحية نفس الشجرتين، فلا نحتاج هنا لإثبات حرمة التصرّف إلى إحراز كونها مال الغير من حيث حكم التكليفي، بل يكفي هنا وجود العلم الإجمالي بوجود مال الغير في أحد الطرفين، والعلم الإجمالي بكونه ثمرة أحدهما والمفروض أنـّه موجود.