96/10/18
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: حكم ملاقي المشتبه لأطراف العلم الإجمالي
ولكن يمكن أن يُجاب عنه: بأنـّه لعلّ وجه الاشتهار بهذا العنوان إمّا من جهة وجود غلبة القائلين بعدم وجوب الاجتناب عن أصل الشبهة غير المحصورة، فضلاً عن ملاقيه، أو من جهة كون الغالب في الخارج هو انطباق إحدى العناوين الموجبة لرفع التنجّز عن التكليف، وخروجه عن الفعليّة من العُسر أو الحرج أو الضرر، أو خروجه عن مورد الابتلاء ونظائرها فيها، ولذلك نرى أنّ الأمثلة التي ذكرها المحقّق الخراساني قدسسره جميعها من الشبهة المحصورة، مع أنّ مسلكه عدم اختصاص التنجّز والفعليّة بها كما لا يخفى، وعليه فانعقاد البحث وتقريره على ما هو المتعارف عند مشايخنا لا غبار عليه .
المقدّمة الثانية: في البحث عن أنّ ما ورد في كلمات أصحابنا من أنّ: (ملاقي بعض الأطراف هل يوجب لزوم الاجتناب عنه أم لا)، فإنّ ذكرهم لقيد (بعض الأطراف) إنّما هو لإخراج ما لو كانت الملاقاة لجميع الأطراف، مثلاً لو فرضنا وجود علم إجمالي بنجاسة أحد الكأسين ولاقى شيء واحد لكلّ واحدٍ منهما، فلا إشكال في لزوم الاجتناب عنه، لأنـّه يصير بذلك معلوم النجاسة بالعلم التفصيلي، فلا يبقى حينئذٍ موردٌ للبحث عنه، بل تكون خارجاً عن محلّ الكلام.
كما أنّ ذكر لفظ (الملاقى) له ظهورٌ في وحدة الشيء الملاقى بأحدهما، فلو لاقى شيئان للشيئن المتعلّقين للعلم الإجمالي، كما لو لاقى كلّ واحد من الشيئين واحداً من طرفي العلم الإجمالي، بحيث تحقّقت الملاقاة لكلا طرفي العلم الإجمالي، فهو أيضاً خارج عن مورد البحث والكلام، لأنـّه لا إشكال في حصول علم إجمالي مستقلّ للملاقيين، نظير العلم الإجمالي في الأصيلين، ممّا يوجب ذلك ملاحظة حكم العلم الإجمالي فيهما، كما يلاحظ في أصلهما، ولذلك جعلوا هذا القسم أيضاً خارجاً عن مورد الكلام، بلا فرق فيه بين أن يحصل له علم تفصيلي بوجود النجاسة ـ كما لو كان الشيئان يدا المصلّي ورجله، فإنّه حين الصلاة يعلم بوجود النجاسة فيهما ـ أو لم يكن كذلك .
المقدّمة الثالثة: عرفت منّا سابقاً بأنّ السبب في تنجّز العلم الإجمالي:
1 ـ قد يكون بلحاظ أنّ وجوده علّة تامّة، فلا يمكن رفع اليد عنه إلاّ مع وجود مانع عنه من انطباق إحدى العناوين المرخّصة.
2 ـ وقد يكون نتيجة تساقط الاُصول الجارية في الأطراف، والتساقط إنّما يكون مع العلم بالتكليف الفعلي، سواء كان تعلّق العلم به ابتدائيّاً، بأن يعلم إجمالاً بوجوب صلاة الجمعة أو الظهر في يوم الجمعة في المشتبهات الحكميّة، أو علم بتعلّق العلم بالتكليف بواسطة تعلّقه بالموضوع التامّ في الحكم كما في الشبهات الموضوعيّة، كما لو علم بوجود الخمر بين أحد المائعين حيث إنّ الخمريّة هي تمام الموضوع للحكم بوجوب الاجتناب.
3 ـ وقد يكون بواسطة أمر ناقص يعدّ جزءاً لموضوع الحكم، وهو مثل ما إذا علم بكون أحد الجسدين ميّت إنسان والآخر جسد حيوان مذكّى مأكول اللّحم، فإنّ هذا العلم وإن أوجب وجوب الاجتناب عن أكل لحم كلّ من الجسدين، إلاّ أنـّه إذا مسّ أحدهما ولا يعلم حقيقة الجسد الذي مسّه وأنـّه أيّهما، فقد يقال بأنّ وجوب الغُسل لمسّ بدن الإنسان الميّت الذي لم يُغسّل غير معلوم التحقّق، لأنّ المعلوم بالإجمال ـ وهو بدن ميّت الإنسان ـ يعدّ جزءاً لموضوع الحكم بوجوب الغُسل، وتمامه مسّ بدن ميّت الإنسان وهو مشكوك التحقّق والأصل عدمه.