96/10/16
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: حكم تعارض الاُصول في الشبهة المحصورة
قال المحقّق الخوئي: في«مصباح الاُصول»: (إنّه يكون المقام من موارد دوران الأمر بين المحذورين، لأنـّا نعلم بحرمة التصرّف في أحدهما، ووجوب استعمال أحدهما، ولا يمكن تحصيل الموافقة القطعيّة إلاّ مع المخالفة القطعيّة، إذ في صورة الجمع بين الوضوء والتيمّم نقطع بالموافقة من ناحية الوجوب، ونقطع بالمخالفة من ناحيهالحرمة،وفي صورة تركهما معاً نقطع بالموافقة من جههالحرمة، ونقطع بالمخالفة من جهة الوجوب، فيسقط حكم العقل بوجوب الموافقة القطعيّة، لاقترانها بالمخالفة القطعيّة، فلا مناص من الاجتزاء بالموافقة الاحتماليّة والاكتفاء بأحدهما، فإنّه ليس فيه إلاّ احتمال المخالفة، فلا بأس به بعد عدم إمكان الزائد منه، ولا ترجيح للوضوء على التيمّم، لأنّ الأصل الجاري في التراب ليس هنا متأخّراً عن الأصل الجاري في الماء، لعدم انحصار أثر غصبيّة التراب في عدم جواز التيمّم به، بل يترتّب عليها عدم جواز التصرّف فيه مطلقاً كما تقدّم.
وليس المقام من باب التزاحم ، فإنّه تابعٌ لوجود الملاكين في الطرفين بخلاف المقام.
وممّا ذكرناه ظهر حكم صورة ثالثة، وهي العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما أو غصبيّة الآخر، كما إذا علمنا إجمالاً بنجاسة الماء أو غصبيّة التراب، فيجري الكلام السابق من تساقط الاُصول، وتنجيز العلم الإجمالي، ودوران الأمر بين المحذورين، والاكتفاء بالموافقة الاحتماليّة، إلاّ أنـّه يجب الوضوء في الفرض المذكور، ولا يجوز التيمّم بحكم العقل، إذ في الوضوء احتمال الموافقة مع عدم احتمال الحرمة، وعدم احتمال العقاب أصلاً، بخلاف التيمّم فإنّ فيه احتمال الموافقة معاحتمال الحرمة، من جهة احتمال الغصبيّة، فيتعيّن الوضوء بحكم العقل، ولو انعكس الأمر انعكس الحكم، أي لو علمنا إجمالاً بأنّ الماء غصبٌ أو التراب نجسٌ تعيّن عليه التيمّم بحكم العقل لعين ما ذكرناه)، انتهى كلامه رفع مقامه[1] .
أقول: ولا يخفى ما في كلامه من الإشكال في الصورتين:
أمّا الصورة الاُولى: فلأنّ احتساب المقام من موارد دوران الأمر بين المحذورين لا يخلو عن تأمّل، لأنّ أمر كلّ واحدٍ من الوضوء والتيمّم من الماء أو التراب إذا احتسب منفرداً، ثبت لزوم الاجتناب عنه مع وجود هذا الاحتمال فيه، يعني إذا علمنا بأنّ الماء إمّا نجسٌ أو طاهرٌ، وإمّا مباحٌ أو مغصوب، فمعناه أنّا نعلم إمّا بوجوب الوضوء منه أو عدمه في الأوّل، ووجوب الوضوء به أو الحرمة في الثاني، فهل ترى أحداً يفتي بالتخيير فيه من جواز التوضّئ به أو تركه من باب دوران الأمر بين المحذورين؟ كلاّ، بل يحكم هنا بعدم جواز الوضوء من ذلك الماء في كلتا الصورتين، لعدم صدق العلم الإجمالي بذلك من جهة دوران الأمر بين المحذورين، بل يحكم بوجوب التيمّم عليه إن كان له التراب، وإلاّ دخل في عنوان فاقد الطهورين، هذا إن لم يكن له أصلٌ يُبيح له التوضّئ من ذلك الماء مثل الاستصحاب أو البراءة.
وهكذا يكون الحكم في ناحية التراب إذا انحصر له ذلك، واحتمل كونه مباحاً أو مغصوباً، مع أنّ ظاهر القضيّة هو دوران أمره بين الوجوب لو لم يكن مغصوباً، أو الحرمة لو كان مغصوباً، فكذلك يكون إذا احتسب ذلك في كلّ منهما معاً، حيث إنّه لو لم يكن له أصلٌ يخرجه عن المحذور، لما جاز له استعمال شيء منهما لأجل احتمال غصبيّته، وليس من باب دوران الأمر بين المحذورين، لوقوع احتمال كلّ من الوجوب والحرمة في شيئين، ودوران الأمر بين المحذورين لابدّ أن يكون في شيء واحدٍ يُعلم بوجوبه وحرمته، ولم يكن له مندوحة، والأمر هنا ليس كذلك إذ له مندوحة، وهو كونه داخلاً في حكم فاقد الطهورين، من لزوم إتيانه بالصلاة في تلك الحالة في الوقت وقضائه في خارجها تحصيلاً للطهارة، أو تركها مطلقاً حتّى في خارج الوقت، على احتمالٍ، كما عليه الفتوى عند أكثر الفقهاء عدا سيّدنا الخوئي والميلاني رحمهماالله على تأمّل منه، راجع حول ذلك إلى «العروة الوثقى» في مسألة 3 في فصل (اشتراط ما يصحّ التيمّم به).
وبالجملة: فالحكم بالتخيير هنا لا يخلو عن إشكال، وليس المقام من دوران الأمر بين المحذورين، ولعلّ وجهه ما ذكرناه، لأنّ الحكم بوجوب التوضّي والتيمّم يَسقط مع وجود العلم الإجمالي بوجود الحرام في أحدهما، الذي قد حَكمالشارع بحرمة التصرّف في كليهما بواسطة تنجّز العلم الإجمالي، نظير ما لو حكم بذلك تفصيلاً، فكما يجب الاجتناب عنها، كذلك يكون الأمر في المقام، فينحصر حكمه بحرمة الاستعمال، لأنّ وجوب التوضّي أو التيمّم مشروطان بعدم العلم بكون الماء أو التراب نجساً أو مغصوباً، فإذا فقد شرطهما انتفى المشروط بتبعه، فلا وجوب في البين حتّى يندرج المورد في باب دوران الأمر بين المحذورين.
لا يقال: إنّه لا يعلم بغصبيّة خصوص الماء بل الأمر عنده مشكوك، والحال أنّ شرط وجوب التوضّي بالماء مثلاً هو العلم بكونه مباحاً، ففقدان الشرط وهو العلم بكونه غصباً مفقود في الفرض.
لأنـّا نقول: وإن كان ملاحظة كلّ واحدٍ كذلك، إلاّ أنّ حيث وجود العلم الإجمالي في الشبهات المحصورة بحسب حكم العقل والشرع حكم علم التفصيلي من التنجّز، فلابدّ حينئذٍ من ترتّب أثر العلم التفصيلي عليه، فكما لو كان الماء معلوم الغصب تفصيلاً وجب اجتنابه، كذلك الحال يكون في العلم الإجمالي، فالمكلّف حينئذٍ لا يكون مكلّفاً بالطهارة المائيّة، أو هي مع الترابيّة حتّى تدخل المسألة في دوران الأمر بين المحذورين.
وبالجملة: فالحقّ مع ما تبنّاه السيّد رحمهالله في «العروة» وأكثر أصحاب التعليق عليها من عدم وجوب الطهارة له، فيكون المكلّف حينئذٍ من أفراد فاقد الطهورين.