96/10/06
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الشبهة المتردّدة بين المحصور وعدمه
وأمّا على القول بكون الشبهة غير المحصورة بنفسها مسقطة للتكليف، من غير ملاحظة ما ينطبق عليه وأحد تلك العناوين، فقد يقال أيضاً باختلاف حكم الشكّ باختلاف ما هو المختار في بيان وجه السقوط في الشبهة غير المحصورة:
فمن سلك مسلك المحقّق النائيني والتزم بأنّ ملاك كون الشبهة غير محصورة هو كون كثرة الأطراف حدّاً لا يتمكّن منالجمع بينها في الاستعمال، فقد يقال إنّ لازم هذا القول هو إلحاق صورة الشكّ في الحصر إلى الشبهة المحصورة في وجوب الاحتياط، وذكر في وجهه:
إنّ الشكّ المزبور حينئذٍ يرجع إلى الشكّ في القدرة مع العلم بالخطاب ووجود الملاك، فلابدّ من الاحتياط لاستقلال العقل في مثله بلزوم الجري على ما يقتضيه العلم وعدم الاعتناء باحتمال العجز.
أقول: ولكن الأولى أن يقال على هذا المبنى بالتفصيل :
بين ما يعلم حالته السابقة للشبهة من كونها محصورة أو غير محصورة، فيترتّب عليها تلك الحالة من الحكم قضيّةً للاستصحاب من الاحتياط في الاُولى وعدمه في الثانية.
وبين ما لايعلم تلكالحالة،حيث لابدّ من إلحاقها بالمحصور للوجهالمزبور.
ولعلّ القائل أراد هذه الصورة حيث أطلق بذلك، إحالةً للصورة الاُولى على وضوحها، ولكن الأحسن ذكرها كما عرفت .
ثمّ قال هذا القائل وهو المحقّق العراقي في نهايته[1] بعد ذلك:
(وكذلك الحال على الضابط المختار، فمقتضاه أيضاً هو إلحاق فرض الشكّ في الحصر بالمحصور في وجوب رعاية العلم الإجمالي، لأنّ مرجع الشكّ في الشكّ إلى الشكّ في جعل البدل الذي هو المصحّح للترخيص في ترك الاحتياط، ومع الشكّ فيه وعدم إحرازه لابدّ من مراعات العلم الإجمالي، فيجب الاحتياط بالاجتناب عن جميع المحتملات)، انتهى كلامه .
أقول: والكلام فيه أيضاً كالكلام في السابق من الحالات الثلاثة للمكلّف:
من العلم بأحدهما ليترتّب عليه ذلك، بمقتضى استصحابه الموضوعي من الاحتياط في المحصور وعدمه في غيره.
أو عدم العلم بها .
ومع الشكّ المرجع عنده هو الاحتياط لما قد ذكره من الوجه في الشكّ من جواز جعل البدل المصحّح، مع أنّ الأصل يقتضي عدم الجواز لأنّ الحجّة على أصل التكليف موجودة، وشرط إحراز المانع مفقود، فيُحكم بالاحتياط.
وأمّا على مختارنا ـ تبعاً لمسلك الشيخ الأنصاري والمحقّق الخميني ـ فلا مجال للاحتياط لأنّ الشبهة غير المحصورة مسقطة للتكليف، لصيرورة الاحتمال موهوناً لا يعتنى به العقلاء، وهو ما قاله المحقّق العراقي في «نهاية الأفكار» من: (إنّه يكون ملحقاً بغير المحصور، لرجوع الشكّ في الحصر وعدمه حينئذٍ إلى الشكّ في بيانيّة العلم الإجمالي لدى العقلاء، وصلاحيّته للمنجّزيّة، فيكون المرجع في مثله هي البراءة)، انتهى كلامه.
ولكن الأولى أن يقال على هذا المبنى: إنّ ذلك مبنيٌّ على ملاحظة أنّ عدم كون احتمال التكليف موهوماً هل هو من قبيل شرط التنجّز للعلم الإجمالي بالتكليف، أو من قبيل وجود المانع للتنجّز؟
فإن كان من قبيل الأوّل فما دام لم يُحرز وجود الشرط بإحراز كون الشبهة محصورة يحكم بعدم وجوبالاحتياط لأنّ الشكّ فيوجودالشرط مساوقلعدمه.
وإن كان من قبيل القسم الثاني، فمقتضى الشكّ هو وجوب الاحتياط، لأنّ العلم المتعلّق بالتكليف دليلٌ وحجّةٌ عند العقلاء ما لم يحرز خلافه، وهو لا يتحقّق إلاّ بإحراز كون الشبهة غير محصورة، وحيث كان الثاني أولى، لأنّ أخذ عدم احتمال كون التكليف موهوماً من الشرائط مستبعدٌ لكونه أمراً عدميّاً، بخلاف جعله من موانع المنجّزيّة، فيكون الحكم في الشكّ على هذا المسلك أيضاً هو الاحتياط في غير ما يُعلم حالته السابقة من كونه محصورة أو غير محصورة، وإلاّ يؤخذ بمقتضاه، والله العالم بحقائق الاُمور .
***
الموضوع: حكم تعارض الاُصول في الشبهة المحصورة
الأمر الحادي عشر: ويدور البحث فيه عن حال الاُصول من جهة التعارض، وأنـّه هل يعتبر كونها في المرتبة متّحدة أم لا يعتبر.
أم أنّ التعارض حاصل ولو كان الأصل الجاري في طرف من أطراف العلم الإجمالي في مرتبة متأخّرة عن رتبة عِدْله ؟
هذا بعد الفراغ عن أنّ العلم الإجمالي منجّز قطعاً فيما إذا كانت الاُصول الجارية في الأطراف في رتبة واحدة الموجبة للتعارض والتساقط وتنجّز العلم الإجمالي بعده .
ففي مثل العلم الإجمالي بنجاسة أحد المائين، أو غصبيّة أحدهما ـ من حيث الحكمالتكليفي منالحرمة أو الوجوب،أو الوضعي من الصحّة والفساد ـ ممّا لا إشكال فيه بكون العلم الإجمالي منجّزاً قطعاً، وقد مرّ تفصيله آنفاً بتمام فروعه.
والآن نتعرّض حال ما لو كان الأصل الجاري في أحد طرفي المعلوم بالإجمال متأخّراً رتبةً عن الأصل الجاري في الطرف الآخر، فهل يوجب اختلافالرتبة جريان الأصل في أحدهما المعيّن بلا معارض، ويترتّب عليه الأثر، فلا يكون العلم الإجمالي مؤثّراً أم لا يكون الأمر كذلك ؟
أقول: والمسألة تلاحظ على صورتين:
الاُولى: ما لا يترتّب للمعلوم بالإجمال أمراً إلاّ الحكم الوضعي من دون ترتّب أثر تكليفي عليه .
الثانية: ما يترتّب عليه كلاهما من الوضعي والتكليفي.
أمّا الصورة الاُولى: فقد مُثّل لها بما لو علم بوقوع نجاسةٍ إمّا في الماء أو في التراب مع انحصار الطهور بهما، فإنّه لو جرت أصالة الطهارة في الماء، ويحكم بوجوب تحصيل الطهارة به، فلا تصل النوبة إلى التراب حتّى تجري فيه أصالة الطهارة، إذ جريانها فيه قد يقال بأنـّه لا أثر له، لأنّ عدم جواز التيمّم ليس من آثار نجاسة التراب، بل من آثار وجود الماء الطاهر، هذا بخلاف ما لو قلنا بالتعارض والتساقط حيث يكون وجه عدم جواز التيمّم، هو كونه أحد طرفي العلم الإجمالي في النجاسة، فعليه يكون العلم الإجمالي منجّزاً، ولازم ذلك:
إمّا اعتباره فاقد الطهورين وأنّ عليه العمل بوظيفته في ذلك.
وإمّا عليه وجوب الجمع بين الوضوء والتيمّم عليه تحصيلاً للطهارة اليقينيّة.
أمّا المحقّق الخوئي: فلا بأس بطرح كلامه في «مصباح الاُصول» وملاحظته حيث قال بعد طرح المسألة:
(والتحقيق أن يُقال: إنّ التراب المحتمل نجاسته :
تارةً: لا يكون لطهارته أثرٌ شرعيّ في عرض الأثر الشرعي لطهارة الماء، وكان الأثر الشرعي لطهارته جواز التيمّم فقط، الذي ليس في مرتبة طهارة الماء، كما إذا كان التراب مال الغير ولم يأذن في السجدة عليه، أو كان المكلّف غير مكلّف بالسجدة وكان تكليفه الإيماء مثلاً.
واُخرى: يكون لطهارته أثر آخر غير جواز التيمّم، وكان ذلك الأثر في عرض الأثر الشرعي لطهارة الماء كجواز السجدة عليه.
أمّا الصورة الاُولى: فلا ينبغي الإشكال في جريان أصالة الطهارة في الماء بلا معارض، لعدم جريانها في التراب لعدم ترتّب أثر عليه، وقد ذكرنا أنّ تنجّز العلم الإجمالي يتوقّف على كونه متعلّقاً بالتكليف الفعلي على كلّ تقدير، وهو مفقود في المقام، إذ النجاسة مع تقدير وقوعها في التراب، لا يترتّب عليها عدم جواز التيمّم، بل عدم جوازه حينئذٍ إنّما هو من جهة التمكّن من الماء الطاهر لا من جهة نجاسة التراب.
وإن شئت قلت: إنّ النجاسة المعلومة بالإجمال لا يترتّب عليها عدم جواز التيمّم أصلاً، لأنـّها :
إن كانت واقعة في الماء فهي مقتضية لجواز التيمّم لا لعدم جوازه.
وإن كانت في التراب، فعدم جواز التيمّم مستندٌ إلى وجود الماء الطاهر، لا إلى نجاسة التراب.
وعليه فلا تجري أصالة الطهارة في التراب، وتجري في الماء بلا معارض، وبجريانها يرتفع موضوع جواز التيمّم، وهو عدم التمكّن من الماء الطاهر)، انتهى كلامه هنا في الصورة الاُولى [2] .