96/10/03
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: البحث عن شبهة الكثير في الكثير
وأمّا لو كان المورد من القسم الأوّل: أي لو كان في بعضها حالة سابقة للإطلاق دون بعض، فلا إشكال في جواز التوضّي بما له ذلك، لعدم وجود مانع من التمسّك بالاستصحاب، لأنّ العلم الإجمالي الذي كان يوهم مانعيّته قد زال، وحيث لا مزاحمة ولا معارضة له مع استصحاب آخر، فلا بأس بالأخذ به والحكم بجواز الوضوء بما له الاستصحاب دون ما ليس له ذلك والاكتفاء به .
وأمّا الصورة الثالثة: وهي ما لو كان لكلّ واحدٍ منها حالة سابقة، فبما أنّ الاستصحاب موجودٌ في كلّ واحدٍ فيتعارض مع الآخر، غاية الأمر مع وجود العلم الإجمالي المؤثّر، فيوجب تعارضهما وتساقطهما، ثمّ بعد سقوط العلم الإجمالي عن التأثير يبقى الكلام في أنـّه :
هل يجري الاستصحاب في كلّ واحدٍ ما لم يستلزم العلم بالانتقاض عن الحالة السابقة، ليكون لازمه جواز الوضوء بمقدارٍ لا يستلزم ذلك، ممّا يستلزم عدم جواز التمسّك به لإثبات جواز الوضوء من جميع المياه الموجودة بخلاف بعضها حيث يجوز ؟
أو لا يجري الاستصحاب لأجل وجود المعارضة بينها، وبقاء تأثير العلم الإجمالي من هذه الجهة، وإن سقط تأثيره من جهة حرمة المخالفة القطعيّة لأجل عدم القدرة، فالقول بعدم جواز التوضّي من الماء المشكوك بالإضافة مطلقاً على مختاره غير واجبة؟
ولكن حيث قد عرفت أنّ مختارنا هو سقوط العلم الإجمالي من رأسه بواسطة وجود طريق عقلائي على ذلك، وسقوط الشكّ والاحتمال عن الاعتبار بواسطة كثرة الأطراف، فلا بأس بالتوضّي من إناء واحد مشكوك الإضافة، والله العالم بحقائق الاُمور .
***
البحث عن شبهة الكثير في الكثير
التنبيه الثاني: هو أنـّه بناءً على عدم تنجيز العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة، فهل الأمر يكون كذلك إذا كانت نفس الشبهة كثيرة بالنسبة إلى الأطراف، أم يكون عدم التنجّز فيما إذا لم تكن الشبهة كذلك، مثلاً لو فرضنا أنّ الشبهة في ألف إناء هي مائة، فإنّ الأطراف في نفسها كثيرة، ولكن نسبتها إلى المائة تكون كنسبة الواحد إلى العشرة، حيث إنّ تلك النسبة تعدّ محصورة، فهل العلم الإجمالي في مثله منجّزٌ أم لا، وتسمّى هذه شبهة الكثير من الكثير.
قال المحقّق الخوئي في «مصباح الاُصول»: (والتحقيق هنا أيضاً أنـّه يختلف الحال باختلاف المسالك في عدم تنجّز العلم الإجمالي في الشبهة غير المحصورة.
فعلى مسلك الشيخ رحمهالله من أنّ الملاك في عدم التنجّز كون احتمال التكليف موهوماً لا يعتنى به العقلاء، كان العلم الإجمالي في مفروض المثال منجّزاً، لأنّ احتمال التكليف في كلّ واحدٍ من الأطراف من قبيل تردّد الواحد في العشرة ومثله لا يعدّ موهوماً كما هو ظاهر.
وأمّا على مسلك المحقّق النائيني رحمهالله من أنّ الوجه في عدم التنجيز عدم حرمة المخالفة القطعيّة، لعدم التمكّن منها، ووجوب الموافقة القطعيّة متفرّعٌ عليها، فلابدّ من الالتزام بعدم التنجيز في المقام أيضاً، فإنّ المخالفة القطعيّة لا تتحقّق إلاّ بارتكاب جميع الأطراف، وهو متعذّر أو متعسّرٌ عادةً، فلا تجب الموافقة القطعيّة أيضاً، فلا يكون العلم الإجمالي منجّزاً لا محالة) .