درس خارج اصول استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

96/09/27

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: بيان تحديد الشبهة غير المحصورة

 

أقول : إنّ دلالة الحديث للشبهة غير المحصورة بصدرها واضحة ، لمكان قوله عليه‌السلام: «أمِن أجل مكانٍ واحد.. إلى آخره»، مضافاً إلى ما ورد في ذيله بالقطع بوجود لحم بين تلك اللّحوم ممّا لا تسمية عليه، لأنّ في الناس من لا يُبالي بمثل هذه الأحكام حتّى ولو كان مسلماً، فضلاً عن وجود غير المسلم فيه.

وأمّا كون سوق المسلمين أمارة شرعيّة وموجبة للحكم بالحليّة، غير منافٍ للحكم بذلك، من جهة وجود سببين:

أحدهما: كون الشبهة غير محصورة كما في صدر الحديث .

وثانيهما: كون السوق أمارة شرعيّة .

فاحتمال عدم أماريّة السوق مع وجود العلم الإجمالي بذلك ولو بصورة الشبهة غير المحصورة، يوجب سقوط اعتبار السوق في أكثر الموارد، إذ قلّ مورد لا يكون فيه ذلك العلم الإجمالي، بالنظر إلى من لا يبالي بالدِّين والشريعة، فمعنى ذلك عدم أماريّة السوق رأساً لندرة غيره، وهو غير وجبه.

وأمّا ضعف سنده، فقد عرفت عدم كونه ضائراً لوجود عدّة أخبار دالّة عليه مع تماميّة الدليل الرابع كما لا يخفى .

هذا، وقد استدلّ المحقّق الخميني في «تهذيب‌الاُصول» بالخبر الموثّق الذي رواه سماعة عن أبي عبدالله عليه‌السلامفي بعض عمّال بني اُميّة وفيها:

«إنْ‌كان خَلَط الحرامُ حلالاً فاختلط فلم‌يُعرف‌الحرام من‌الحلال فلا بأس».

وقال: ولا يبعد حملها على غير المحصورة.

ومنها: صحيحة الحلبي، عن الصادق عليه‌السلام: «لو أنّ رجلاً ورث من أبيه مالاً وقد عرف أنّ في ذلك المال رِباً، ولكن اختلط في التجارة بغيره حلالاً، كان حلالاً طيّباً فليأكله، وإن عرف منه شيئاً معروفاً أنـّه رِباً فليأخذ رأس ماله ويردّ الرِّبا»[1] .

وغير ذلك من الروايات التي تكون دلالتها من هذا القبيل،وقد جمعها السيّد المحقّق اليزدي رحمه‌الله في «حاشيته على المكاسب» عند البحث عن جوائز السلطان، حيث قال المحقّق الخميني إنّه: (لا يبعد أن يكون أكثر مواردها من قبيل الشبهة غير المحصورة، فيحمل ما يدلّ على وجوب التخميس في مجهول المقدار، واحتمل كونه بمقدار الخمس أو أزيد أو أنقص على صورة المحصورة أو غير المحصورة، مع وجود تلك الخصوصيّة بواسطة تلك النصوص لا يوجب الحكم بوجوب إعطاء الخمس، إذا علم وجود دينار حرامٍ في خمسين ألف دينار).

وفيه: إذا علم وجود مقدار معيّن حرام في ماله حكم عليه بوجوب التصدّق لا التخميس، فيظهر عدم حلّيته، وإن ذهب بعض إلى ما ذهب إليه قدس‌سره .

وكيف كان، فدلالة هذه الطائفة من الأخبار في الجملة على الحليّة في الشبهة غير المحصورة غير بعيدة، خصوصاً إذا كانت الشبهة على نحوٍ يذمّ العقلاء من يعتني بها، غير جهة الاحتياط إذ هو أمرٌ آخر ممّا لا يكاد يُنكر حسنه.

***

حكم ارتكاب جميع الأطراف في الشبهة غير المحصورة

حكم ارتكاب جميع الأطراف في الشبهة غير المحصورة

الأمر الرابع: ويدور البحث فيه عن أنـّه على فرض القول بعدم حرمة المخالفة القطعيّة في الشبهة غير المحصورة:

هل يجوز ارتكاب جميع الأطراف فيما إذا تعذّر ذلك مطلقاً؟

أم لا يجوز بل لابدّ أن يبقى جزءاً بمقدار الحرام مطلقاً؟

أو يفصّل كما التزم به الشيخ رحمه‌الله بين الجواز فيما إذا لم يقصد ارتكاب الجميع من أوّل الأمر ولكن ينجرّ الأمر إليه، وعدم الجواز فيما إذا قصد الجميع من أوّله، أو توصّل إليه إلى ارتكاب الحرام؟

فيه وجوهٌ وأقوال، إذ من الواضح بأنـّه على القائل بتحديد الضابط في الشبهة غير المحصورة بأن لا يقدر المكلّف على ارتكاب الجميع ـ كما عرفت هذا الوجه عن المحقّق النائيني ـ فلابدّ عليه أن يقول بعدم الجواز في الفرض، لأنـّه فرض إمكان ارتكاب الجميع، فتخرج الشبهة حينئذٍ عن غير المحصورة وتصبح محصورة، فلا يجوز المخالفة فيها قطعاً كما لا يخفى .

وأمّا على مسلك الشيخ رحمه‌الله في الشبهة غير المحصورة، والذي حدّدها بأن تكون كثرة الأطراف إلى حَدٍّ يصبح فيه الاحتمال موهوماً كالشكّ البدوي، بحيث لا يعتنى به العقلاء، فلا يعرف وجه للتفصيل المذكور في كلامه، إلاّ أن يكون من قبيل التجرّي إلى المعصية حيث يقصد ارتكاب الحرام فيما يقدر، بقيامه على فعل كلّ ما أمكنه من الأفراد وإن لم يصب فعله الحرام الواقعي إلى حين ارتكابه، فإنّ عمله هذا يعدّ حراماً، أو يرتكب الحرام مع القصد إذا انجرّ إليه، وفي كِلا شقّيه لا يخلو عن إشكال .

 


[1] الوسائل: ج12، الباب5 من أبواب الرِّبا، الحديث 3.