96/09/25
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: بيان تحديد الشبهة غير المحصورة
الوجه الرابع: من الأدلّة على نفي وجوب الاجتناب، أو على عدم وجوب الموافقة القطعيّة، هو ما ذكره شيخنا الأنصاري قدسسره، وقد قرّره وأيّده سيّدنا الاُستاذ الخميني قدسسره من موهوميّة احتمال التكليف بواسطة كثرة الأطراف، بحيث لا يعتنون العقلاء بوجوده في ذلك، بل ربّما يعدّون المعتني به سفيهاً أو عديم العقل في التكاليف العرفيّة والحوادث الخارجيّة، فكذلك يكون في الأحكام الشرعيّة، لأنـّها منزّلة على طريقة العقلاء وسيرتهم، إذ طريقة الشارع ليس بخارج عن طريقتهم وعمّا يفعلون، فكما يصحّ عندهم نفي احتمال الحكم والتكليف في الموارد غير المحصورة بالنسبة إلى اُمورهم في معاشهم، فهكذا يكون فعلهم بالنسبة إلى التكاليف المربوطة بمعادهم، وهذا أمرٌ صحيح وطريقٌ عقلائي متين ممّا لا يخفى على المتأمِّل في طريقتهم.
أقول: وما أورد على الشيخ من المحقّق النائيني وتلميذه المحقّق الخوئي بأنـّه إحالة على أمرٍ مجهول، إذ لا يعلم بأيّ مرتبة من الوهم يرفع الحكم، أو كان احتمال التكليف بمرتبة وهمه أيضاً منجّزاً، ممّا لا يُصغى إليه .
فهذا الدليل بنفسه، لولا دليلٌ آخر من النّص وغيره يكفي في إثبات كون الشبههالغير المحصورة ممّا لاتجب تحصيلالموافقهالقطعيّة، أو وجوب الاجتناب، إلاّ فيما إذا كان الأمر من الاُمور المهمّة، وعلم أنّ الشارع لم يرض بتركه مطلقاً، فحينئذٍ يجب تحصيله ما لم يبلغ تحصيل امتثاله مرتبة العسر والحرج، فإذا بلغ يدخل تحت ذلك الدليل فيرتفع، هذا.
الوجه الخامس: من الأدلّة الدالّة على وجوب الاجتناب، أو عدم وجوب تحصيل الموافقة القطعيّة، هي الأخبار الواردة في المقام، وقد ذكرها سيّدنا الاُستاذ المحقّق الخميني رحمهالله مبسوطاً، فلابأس بالإشارة إليها:
منها: الخبر الصحيح المرويّ عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله عليهالسلام،قال:
«كلّ شيء فيه حلالٌ وحرام فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه»[1] .
فقد ادّعى سيّدنا الاُستاذ ظهورها في العلم الإجمالي من غير شكّ، خرج منه صورة المحصورة بالإجماع أو بالعقل وبقي الباقي.
ثمّ قال: (والقول بأنّ الشبهة غير المحصورة فاردة، ضعيفٌ جدّاً بل غالب الشبهاتغيرمحصورة،وقديتّفقكونهامحصورة)،انتهى_'feكلامهفي«تهذيبالاُصول»[2] .
أقول: لا يخفى عليك أنـّه قد أوضحنا الحديث تفصيلاً جيّداً عند البحث عن جريان الاُصول في الشبهات الموضوعيّة في مقام الإثبات، وذكرنا أنّ فيه احتمالات ثلاث أو أزيد من اختصاصها بالشبهات البدويّة كما ذهب إليه المحقّق النائيني، وإن استبعدناه ولم نسلّم الاختصاص، ولم ندفع احتمال شموله، فيحتمل شموله لخصوص العلم الإجمالي كما عليه الاُستاذ، ويحتمل الأعمّ منهما ليشمل كليهما، فيخرج منه المحصورة ويبقى الباقي تحته، وأشرنا إلى باقيالاحتمالات، ومن المعلوم أنـّه إذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال، إلاّ أنّ الإنصاف قوّة ما ذكر من شموله للمقرون بالعلم الإجمالي، خصوصاً مع وجود تأييدات اُخرى من أحاديث اُخر كما ستأتي الإشارة إليها.