96/09/20
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: البحث عن حكم الشبهة غير المحصورة
الأمر الثالث: ويدور البحث فيه عن حكم الشبهة غير المحصورة من وجوب الاجتناب وعدمه في الشبهة التحريميّة، من حيث وجوب الموافقة القطعيّة أو من حيث عدم حرمة المخالفة القطعيّة وحرمتها، وبيان ما يمكن أن يقع دليلاً على الإثبات أو النفي .
أقول: الظاهر من كلمات الأصحاب أنـّه ممّا لا خلاف في عدم وجوب الموافقة القطعيّة فيها، بخلاف المخالفة القطعيّة، حيث قد يظهر الخلاف في حرمتها لذهاب بعض إلى حرمتها، وإن كان دعوى وجود الخلاف في الاُولى غير بعيدة.
إلاّ أنّ المشهور بين الأصحاب بشهرة عظيمة هو عدم الوجوب، بل نَقلُ الإجماع عليه مستفيضٌ كما عن «الروض» ومحكيّ «جامع المقاصد»، بل عن المحقّق البهبهاني قدسسره دعوى الإجماع صريحاً، بل قال في «حاشيته على المدارك» إنّه من ضرورة الدِّين، وطريقة المسلمين في الأعصار والأمصار، ونحوه كلامه الآخر المحكيّ عن فوائده.
بل لعلّ الأمر كان كذلك، لأنـّه بالتتبّع في كلماتهم في الفقه يظهر بأنّ عدم وجوب الاجتناب في الشبهات غير المحصورة في الجملة كان عندهم من المسلّمات، بل يمكن دعوى كونه مغروساً في أذهان عوام المتشرّعة أيضاً، وإن كانوا في بيان مدرك عدم الوجوب مختلفين، حيث استدلّ بعضهم لعدم الوجوب تارةً بالعُسر والحرج المنفيّين. واُخرى بعدم كون جميع الأطراف مع عدم الحصر مورداً للابتلاء. وثالثة بلزوم الاضطرار ونحو ذلك، ولكن جميع ذلك يعدّ من قبيل بيان دليل الشيء بعد وقوعه، وإن كان يشاهد عن بعضٍ الوسوسة في الحكم المزبور، حيث أوجبوا وجوب الموافقة القطعيّة لولا انطباق أحد تلك العناوين المذكورة آنفاً من العُسر والحرج والضرر والاضطرار وغيرها، حيث لم يجعلوا نفس كون الشبهة غير محصورة من الاُمور الموجبة لرفع حكم وجوب الاجتناب كما ترى عن مثل صاحب «الكفاية» وبعض آخر من يتّبعه.
أقول: فإذا بلغ الكلام إلى هنا، فلا بأس بذكر ما يمكن أن يستدلّ به لذلك، وبيان ما أورد عليه حتّى يتّضح ما هو المختار في المقام:
فقد استدلّ على عدم وجوب الموافقة القطعيّة بوجوه:
الوجه الأوّل: الإجماع كما عرفت نقله عن بعض الأعلام.
لكن أورد عليه المحقّق الخوئي قدسسره أوّلاً: (بأنّ هذه المسألة من المسائل المستحدثة التي لم يتعرّض لها القدماء، فكيف يمكن فيها دعوى الإجماع .
وثانياً: أنـّه على فرض تحقّق الاتّفاق، لا يكون إجماعاً تعبّديّاً كاشفاً عن رأي المعصوم عليهالسلام إذا علم استناد العلماء على أحد الاُمور المذكورة).
انتهى كلامه في «مصباح الاُصول» [1] .
أقول: وفيه ما لا يخفى على ما في كلا الوجهين من الإشكال:
أمّا الأوّل: فلما قد عرفت بأنّ التتبّع في كلماتهم في الموارد المختلفة من الفقه في الأشباه والنظائر يوجب حصول القطع للمتتبّع بذهابهم فيها بعدم الوجوب حتّى من القدماء، فلا نحتاج إلى تصريحهم بذلك، أو بيان المسألة مستقلّة، حتّى يكشف عن الإجماع، ونظير ذلك كثير في سائر الموارد من المسائل الفقهيّة .
وأمّا في الثاني: فلأنّه مبنيٌّ على مبناه غير المقبول عندنا، من جعل مثل هذا الإجماع المُدّعى في المقام مدركيّاً وغير حجّة، لما حقّقنا في محلّه بأنّ مجرّد وجود المدرك في الخارج من دون الاستناد في كلماتهم إليه، لا يوجب صيرورة الإجماع مدركيّاً، وإلاّ سقط الإجماع عن كونه من الأدلّة الأربعة، إذ قلّ ما يتّفق أن لا يكون لحكمٍ في موردٍ مدركاً خارجاً من الاُمور العقلائيّة أو الشرعيّة.
وأمّا كاشفيّته عن رأي المعصوم فإنّه حاصلٌ قهراً، إذا تحقّق الإجماع بما له من الخصوصيّة من اتّفاق الكلّ، ولو كان له مدركٌ عقلي يساعده، بحيث لا يكون ولا يصير من المستقلاّت العقليّة حتّى يصير الحكم إرشاديّاً، كما لا يخفى.
نعم، الأولى هو الإشكال في أصل تحقّقه، لأنّ المنقول منه غير حجّة، والمحصّل منه غير حاصل لوجود الاختلاف بين الأصحاب .