96/09/19
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: بيان تحديد الشبهة غير المحصورة
وأورد عليه المحقّق الخميني ثالثاً: (بأنّ مورد التكليف إنّما هو كلّ فردٍ فرد، والمفروض قدرته عليه، لا الجمع بين الأطراف، حتّى يقال بعدم قدرته على الجمع وما هو مورد للتكليف، فالمكلّف تمكّن من الإتيان به لتمكّنه من كلّ أحدٍ، والمكلّف به غير خارج من محلّ ابتلائه، وما لا يكون متمكّناً منه أعني الجمع فهو غير مكلّف به، وأمّا حكم العقل بالجمع أحياناً فهو لأجل التحفّظ على الواقع، لا أنـّه حكمٌ شرعيّ.. إلى آخر كلامه)[1] .
أقول: وفيه ما لا يخفى، لأنّ الملاك في تنجّز العلم الإجمالي هو التمكّن من إتيان الجميع، يعني بأن يكون كلّ واحدٍ من الأطراف مقدوراً في تعلّق التكليف به في حال تعلّق التكليف بالآخر، ولذلك ترى عدم تنجّزه فيما لو كان أحد الأطراف خارجاً عن مورد العقلاء أو متعلّقاً للاضطرارً ونظائر ذلك، وليس هذا إلاّ من جهة عدم إمكان تعلّق التكليف به في حال تعلّق التكليف بالمبتلى به، فالقدرة على الجمع معناه هنا بأن يكون كلّ واحدٍ له مقدوراً بالنسبة إلى المكلّف وهو غير حاصل في الشبهة الغير المحصورة كما لا يخفى .
نعم، يرد على كلامه ما قيل :
بأنّ المراد من عدم التمكّن ـ وهو الجمع والمخالفة القطعيّة، ولو من جهة كثرته ـ هل هو عدم التمكّن دفعةً واحدة ، إذ كثيراً من الشبهات المحصورة تكون كذلك؟
أم يراد به عدم التمكّن منها ولو تدريجاً، إذ قلّ ما تكون شبهة غير محصورة، فإنّ كثيراً من الشبهات التي تعدّ غير محصورة عندهم يتمكّن المكلّف من ارتكاب جميع أطرافها في ضمن سنة أو أكثر أو أقلّ، فلا يكون هذا ضابطاً كما لا يخفى .
ولكن مع وجود الاضطراب في كلمات القوم، نقول: أحسنها وأسدّها هو الذي أفاده سيّدنا الاُستاذ المحقّق الخميني رحمهالله تبعاً لشيخه العلاّمة أعلى الله مقامه: بأنّ الملاك في كون الشبهة غير محصورة، هو أن تكون كثرة الأطراف بحدٍّ توجب ضعف احتمال كون الحرام مثلاً في طرفٍ خاصّ، بحيث لا يعتنى به العقلاء ويجعلونه كالشكّ البدوي، بحيث يكون الخطاب المتوجّه إليه عندهم مستهجناً، فيكون في كلّ طرف يريد الفاعل ارتكابه طريقٌ عقلائي على عدم كون الحرام فيه، وإن شئت توضيحه فلاحظ حال العقلاء، تراهم لا يعتنون ويعدّون المعتني ضعيف القلب، فلو سمع الرجل أنّ واحداً من بيوت بلده التي فيها آلاف البيوت قد أغرقه الماء، أو وقع فيه حريق، أو قرأ في جريدة أنّ واحداً من أهل بلده التي فيها مائة ألف نسمة قد قُتل، تراه لا يُبالي بما سمعه، ولو صار بصدد التفتيش وأظهر الاضطراب والوحشة لاحتمال كون البيت بيته والمقتول ولده، لعُدّ ضعيف العقل أو عديمه عندهم، والسرّ هو أنّ كثرة الاحتمال يوجب موهوميّة المحتمل.
أمّا رأي المحقّق الخوئي : فقد ظهر ممّا ذكرناه عدم تماميّة كلامه قدسسره حيث قال في«المصباح»:
(إنّه لم يظهر لنا معنىً محصّلاً مضبوطاً للشبهة غير المحصورة حتّى نتكلّم في حكمها، لما قد عرفت ذلك في عرف العقلاء، وأنـّه عنوانٌ غير أحد تلك العناوين التي مضينا بحثها من الاضطرار والعسر والحرج والضرر كما لا يخفى .
بل ومن ذلك ظهر عدم صحّة ما أورد شيخه العلاّمة قدسسره بأنّ الاطمئنان بعدم الحرام في كلّ واحدٍ من الأطراف لا يجتمع مع العلم بوجود الحرام بينها؛ لأنّ ذلك وإن كان صحيحاً لما قد قيل بأنّ الإيجاب الجزئي لا يجتمع مع السلب الكلّي، إلاّ أنّ المنافات إنّما تتحقّق في المقام إذا لوحظت الأفراد في عرضٍ واحد، أو إذا لوحظت كلّ واحدٍ في مقابل الباقي، فكلّ واحدٍ من الأطراف إذا لوحظ في مقابل الباقي، يكون فيه احتمالٌ واحد في مقابل الاحتمالات الكثيرة، ولا إشكال في ضعف احتمال واحد في مقابل مائة ألف احتمال).
أقول: وكيف كان، ما ذكرنا تبعاً للاُستاذ أمرٌ مقبول عند العقلاء، ويمكن جعله ملاكاً للشبهة غير المحصورة الموجبة لعدم تنجّز العلم الإجمالي في كلّ موردٍ تحقّق فيه ذلك، فتأمّل جيّداً.