درس خارج اصول استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

96/09/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: جريان البراءة فيما شكّ في الابتلاء به وعدمه

 

أقول: ويرد على كلامه :

أوّلاً: بأنّ عدم جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة إنّما يصحّ إذا كانت الشبهة المصداقيّة للعام لا للمخصّص، ففي الثاني يجوز الرجوع إلى العام حتّى في المخصّصات اللّبيّة، لأنـّها وإن كانت بمنزلة المخصّص المتّصل من جهة سراية إجماله إلى العام، لكن إذا كان الإجمال في مفهومه، والمفروض عدمه هنا، وأمّا الشبهة المصداقيّة فإنّه بعد تبيّن مفهومه، فلا بأس بالرجوع فيها إلى العام في الشبهة المصداقيّة إذ لا مخصّص، لأنّ العام ينعقد له الظهور في كلّ الأفراد بمقتضى أداة المقيّد للعموم أو بمقتضى ما يوجب الإطلاق، فقد خرج عن العموم أو الإطلاق ما لو علم عدم كون المتعلّق مقدوراً أو محلاًّ للابتلاء، فيبقى الباقي تحته، ومنه المشكوك في القدرة والابتلاء، فهذا الظهور حجّة عند العقلاء، يؤخذ به ويحتجّ به المولى على العبد، ولذلك تسالموا على لزوم الفحص في الشكّ في القدرة؛ لأنّ الحجّة بذلك تامّة ما لم يرده برهانٌ قاطع.

ومنه يظهر الإشكال عليه ثانياً: من القول بعدم إمكان جريان البراءة فيه لكونه من الشبهة المصداقيّة، وما لم يمكن فيه وضع التكليف لا يمكن رفعه.

وجه الظهور: أنـّه على فرض تسليم عدم جواز التمسّك بعموم العام أو إطلاق المطلق لأجل ما ذكره، ولكن هذا لا يوجب العلم بعدم إمكان جعل الحكم عليه ولو بدليلٍ مستقلّ يدلّ على الحكم له بالخصوص، فإنّا إذا احتملنا وجود دليل يدلّ عليه أو اشتبه لأحدٍ صحّة ما قيل من عدم جواز الرجوع إلى عموم العام، واحتمل وجود الحكم فيه، فالمرجع حينئذٍ هو أصل البراءة، وهو صحيح.

وثالثاً: إنّ التفريق بين الموردين من جهة إحراز فوات الغرض في الأمثلة دون المقام غير واضح، لأنّ الدليل الدالّ والكاشف للغرض ليس إلاّ الإطلاقات والعمومات، والمفروض أنّ القدرة كانت من القيود العقليّة في جميع الموارد، فكما أنّ الإطلاق هنا غير جائز الرجوع لإثبات الحكم والغرض، هكذا يكون الإطلاق في الأمثلة المشكوكة للقدرة، ومنه يظهر صحّة ما ذكرناه من وجود الإطلاق، ولابدّ من تحصيل ما هو الغرض للمولى بالفحص في كلا الموردين، وعليه فالتفريق بين ما نحن فيه وبين غيره ممّا لا يرجع إلى محصّل.

هذا كلّه تمام الكلام في المطلب الثالث من الشكّ في كونه مورداً للابتلاء وعدمه، أو مقدوراً وعدمه، على مسلك القوم حيث يجعلون التكليف مقيّداً بكونه مقدوراً ومحلاًّ للابتلاء، فيوجب الشكّ فيه شكّاً في أصل التكليف .

وأمّا على المختار: من أنّ التكليف مطلق من هذه الجهة، حيث يكون متوجّهاً لعامّة الناس من القادر والعاجز والعالم والجاهل، غاية الأمر خرج العاجز عن تنجّزه بواسطة حكم العقل بالعذر ، ففي مثله لا يكون العلم الإجمالي بالنسبة إلى غير الطرف الخارج أيضاً منجّزاً ، وأمّا بالنسبة إلى المشكوك في القدرة وعدمها، والابتلاء وعدمه في جميع الأقسام الثلاثة ، فالمرجع هو إطلاق الدليل، والحكم بوجوب الاحتياط عمّا هو مقدورٌ قطعاً ، وما هو داخلٌ في مورد الابتلاء كما لا يخفى.

وبالجملة: ثبت من جميع ما ذكرنا صحّة كلام الشيخ الأنصاري رحمه‌الله، إلاّ أنّ طريق الإثبات يتفاوت كما لا يخفى، فالاحتياط بالاجتناب عن المبتلى به لازمٌ في جميع الصور المذكورة من الشكّ في المفهوم أو المصداق، سواءً كان منشأه الشكّ لاحتمال كونه في محلّ يوجب ذلك، أو لأجل الاختلاف في المباني استلزم الشكّ فيه كما تقدّم.