96/09/08
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: جريان البراءة فيما شكّ في الابتلاء به وعدمه
ورابعاً: ما هو أعجب من الجميع أنـّه كيف فرّق بين عنوان الفاسق في عدم جواز الرجوع إلى العام فيه بخلاف مورد الابتلاء، حيث يجوز التمسّك فيه، حيث جعل وجهه كون الثاني من المخصّص ذا مراتب دون الأوّل، مع أنّ المرتبة في كلّ واحدٍ منهما موجود، لو لم ندّع عكس كلامه؛ لأنّ مرتبة الصغيرة تكون غير مرتبة الكبيرة وهي أضعف من مرتبة الموبقات من الذنوب.
وخامساً: أنّ مورد الابتلاء إن اُخذ قيداً للتكليف كان معناه كونه شرطاً في تنجّزه، كما أنّ العلم الذي أخذوه كذلك فيه كان مثله، فإذا شكّ في موردٍ وجود القيد فيه وعدمه،فليس لنا علمٌحينئذٍبوجود الإطلاق،لاحتمالكونالجعلمشروطاً من أوّل الأمر بهذا القيد، هذا بخلاف مثل القيود التي لم يؤخذ في أصل التكليف، ويحتمل أن يكون قيداً له بعد ذلك، فحينئذٍ يجوز التمسّك بالإطلاق المجعول أوّلاً لرفع ذلك القيد والقيود العقليّة، والمقام يكون من القبيل الأوّل لا الثاني.
وبالجملة: تحصّل من جميع ما ذكرنا عدم تماميّة ما أفاده الشيخ ـ والنائيني تبعاً له ـ في الرجوع إلى العام والإطلاق، والحكم بوجوب الاحتياط عن مورد المبتلى به .
هذا كلّهفيالصورهالاُولىالتي قد عرفت فيها وجه منشأالشكّبوجهين، وأمّا مختارنا فسيأتي في آخر المبحث بما هو الحقّ عندنا في هذه الصورة وما بعدها.
الصورة الثانية: هي ما لو شككنا في خروج بعض أطراف العلم الإجمالي عن تحت القدرة، أو خروجه عن محلّ الابتلاء، لشبهةٍ مصداقيّة لا لشبهةٍ مفهوميّة كما في سابقتها، بناءً على أنّ شرط تنجيز العلم الإجمالي هو الدخول في محلّ الاعتبار،فهلالمرجع في غير المشكوك من الأطراف إلى البراءة، أو إلىالإطلاق؟
قال المحقّق الخوئي رحمهالله في «مصباح الاُصول»:
(الظاهر هو الأوّل، لما ذكرناه في مباحث الألفاظ من عدم جواز التمسّك بالعموم في الشبهات المصداقيّة، ولا سيّما في موارد التخصيصات اللّبيّة التي هي من قبيل القرائن المتّصلة، الموجبة لعدم انعقاد الظهور من أوّل الأمر إلاّ في الأفراد الباقية، والمقام كذلك، فإنّ إطلاقات الأدلّة الأوّليّة الدالّة على التكليف ليس لها ظهورٌ من أوّل الأمر إلاّ في المقدور، من جهة القرينة القطعيّة العقليّة، وكذا ليس لها ظهور إلاّ في موارد الابتلاء، بناءً على اعتبار الدخول في محلّ الابتلاء في صحّة التكليف، وحيث أنـّه لا يمكن الرجوع في الطرف المشكوك في كونه تحت القدرة أو في كونه المبتلى به إلى الإطلاقات، لما ذكرناه من عدم جواز الرجوع إلى العام في الشبهة المصداقيّة، لا يمكن الرجوع فيه إلى أدلّة البراءة أيضاً، لأنّ كلّ مورد لا يكون قابلاً لوضع التكليف فيه، لا يكون قابلاً للرفع أيضاً، فإذا احتملنا عدم القدرة أو عدم الابتلاء في بعض الأطراف لا يمكننا الرجوع إلى أدلّة البراءة لكون الشبهة مصداقيّة، وحينئذٍ لا مانع من الرجوع إلى البراءة في الطرف الآخر، وهو الطرف المحرَز كونه تحت القدرة، ومحلاًّ للابتلاء، لعدم المعارضة بين الأصل في الطرفين.