96/08/06
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: البحث عن إمكان جريان البراءة في الشبهات الوجوبيّة
أمّا المحقّق الخوئي: فله تحقيقٌ في المقام، ونتيجة تحقيقه تثبيت التعميم على تقديرٍ، وعليه فلا بأس بذكر كلامه المذكور في «المصباح» حيث يقول:
(والتحقيق أن يقال: إنّه لو بنينا على أنّ التكليف بما هو حاصل عادةً وإن كان مقدوراً فعله وتركه يكون لغواً، فلا فرق بين التكليف الوجوبي والتحريمي، فإنّه كما يُقال إنّ النهي عن شيء متروك في نفسه حسب العادة لغوٌ مستهجن، كذلك يُقال إنّ البعث نحو شيء حاصل بنفسه لغوٌ مستهجن، فيعتبر حينئذٍ في تنجيز العلم الإجمالي عدم كون بعض الأطراف خارجاً عن محلّ الابتلاء عادةً في المقامين كما ذكره صاحب «الكفاية» رحمهالله .
وإن بنينا على أنّ التكليف بما هو حاصلٌ عادةً لا يكون لغواً، ولا يشترط في صحّة التكليف أزيد من القدرة، فلا فرق أيضاً بين التكليفين، ولا يعتبر في تنجيز العلم الإجمالي عدم خروج بعض الأطراف عن معرض الابتلاء في المقامين، وهذا هو الصحيح، إذ ليس الغرض من الأوامر والنواهي الشرعيّة مجرّد تحقّق الفعل والترك خارجاً كما في الأوامر والنواهي العرفيّة، فإنّ غرضهم من الأمر بشيء ليس إلاّ تحقّق الفعل خارجاً، كما أنّ غرضهم من النهي عن شيء لا يكون إلاّ انتفاء هذا الشيء خارجاً، وحينئذٍ كان الأمر بشيء حاصل بنفسه عادةً لغواً وطلباً للحاصل لا محالة، وكذا النهي عن شيء متروك بنفسه لغوٌ مستهجن بشهادة الوجدان، وهذا بخلاف الأوامر والنواهي الشرعيّة، فإنّ الغرض منها ليس مجرّد تحقّق الفعل والترك خارجاً، بل الغرض صدور الفعل إستناداً إلى أمر المولى، وكون الترك مستنداً إلى نهيه، ليحصل لهم بذلك الكمال النفساني، كما اُشير إليه بقوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا الله﴾َ[1] ، ولا فرق في هذه الجهة بين التعبّدي والتوصّلي، لما ذكرناه في بحث التعبّدي والتوصّلي من أنّ الغرض من الأمر والنهي في كليهما هو الاستناد في الأفعال والتروك إلى أمر المولى ونهيه، بحيث يكون العبد متحرّكاً تكويناً بتحريكه التشريعي، وساكناً كذلك بتوقف التشريعي،ليحصل لهم بذلك الترقّي والتكميل النفساني، إنّما الفرق بينهما في أنّ الملاك ـ أي المصلحة في متعلّق الأمر والمفسدة في متعلّق النهي ـ لو توقّف حصوله على قصد القربة فهو تعبّدي، وإلاّ فهو توصّلي.
إلى أن قال: ويشهد بذلك ـ أي بكون الغرض هو استناد الفعل والترك إلى أمر المولى ونهيه ـ وقوع الأمر في الشريعة المقدّسة بأشياء تكون حاصلة بنفسها تارةً لحفظ النفس والإنفاق على الأولاد والزوجة، وكذا وقوع النهي عن أشياء متروكة بنفسها كالزّنا بالاُمّهات، وأكل القاذورات ونحو ذلك ممّا هو كثيرٌ جدّاً.. إلى آخر كلامه)[2] .