96/08/03
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: مدخليّة دخول بعض الأطراف وخروجه عن الابتلاء
وأمّا الخطابات الكلّية القانونيّة: فقد عرفت منّا سابقاً عدم كون القدرة والعلم شرطاً فيها، لما قد عرفت من صحّة توجيه الخطاب لعامّة المكلّفين ولو كان فيهم العاجز والجاهل، لأنـّه يكفي في استحسان الخطاب إذا كان أكثر المكلّفين به قادرين على الامتثال وعالمين بأحكامه، فيتوجّه الخطاب إلى العموم ويصير التكليف فعليّاً، غاية الأمر لا يتنجّز في حقّ من كان عاجزاً أو جاهلاً قاصراً لا مقصّراً، لكونه كالعالم وهم معذورون في مقام التكليف عن التخلّف، ولا يعاقب على تركه، فإذا كان الحال كذلك بالنسبة إلى القدرة والعلم حيث قد نصّوا بكونهما من حدود التكليف، فكيف الحال بالنسبة ما كان خارجاً عن مورد الابتلاء، أو ما لا ينبعث الطبع إليه أصلاً، وأمثال ذلك، حيث لا يكون الخطاب مقيّداً بعدم هذه القيود قطعاً، فجميع ما ذكر في البحث إنّما يصحّ في مثل الخطابات الشخصيّة وقد عرفت مختارنا فيه.
الموضوع: البحث عن إمكان جريان البراءة في الشبهات الوجوبيّة
المطلب الثاني: في أنـّه لو قلنا بمقالتنا من عدم كون تلك القيود من قيود التكليف في الخطابات القانونيّة الكلّية، فلا مجال للبحث الذي سنذكره، وأمّا لو قلنا بمقالة المشهور ـ فيما لو سلّمنا تلك القيود في الخطابات الشخصيّة ـ فينبغي أن يبحث في أنّ قيد عدم كون متعلّق التكليف خارجاً عن مورد الابتلاء، هل هو في خصوص الشبهة التحريميّة كما عن الشيخ الأنصاري قدسسره، أو يجري حتّى في الشبهة الوجوبيّة أيضاً كما يظهر عن صاحب «الكفاية» في حاشيته على «الرسائل»، وعليه فلا بأس بذكر كلام المحقّق الخراساني قدسسره في التعميم، ثمّ استعراض ما أورد عليه:
يقول رحمهالله: إنّ الملاك المذكور في الشبهة التحريميّة ـ وهو أنّ الغرض من جعل التكليف التحريمي إحداثُ المانع للمكلّف عن فعله، فلو فرض عدم كونه في معرض الابتلاء، وعدم الداعي له إلى فعله، كان تركه حينئذٍ مستنداً إلى عدم المقتضى، فإحداث المانع له لغوٌ محضٌ ـ موجودٌ في الشبهة الوجوبيّة أيضاً، فلا يكون العلم الإجمالي فيها أيضاً منجّزاً إلاّ فيما إذا كان جميع الأطراف محلاًّ للابتلاء من حيث الترك، لأنّ التكليف الوجوبي والبعث نحو شيء أيضاً لا يصحّ إلاّ فيما إذا كان للمكلّف داعٍ إلى تركه عادةً، إذ لو كان الشيء ممّا يفعله المكلّف بطبعه عادةً، ولا داعي له إلى تركه كان جعل التكليف الوجوبي بالنسبة إليه لغواً محضاً، وعليه فلو كان بعض أطراف العلم الإجمالي في الشبهة الوجوبيّة خارجاً عن محلّ الابتلاء، بمعنى أنّ المكلّف لا يبتلى بتركه عادةً، ويأتي به بطبعه، كان التكليف بالنسبة إليه منتفياً يقيناً، وفي الطرف الآخر مشكوك الحدوث، فيكون المرجع هو الأصل الجاري بلا معارض.
هذا حاصل كلامه رحمهالله .
وأورد عليه المحقّق النائيني قدسسره: ـ على ما في «مصباح الاُصول» ـ بقوله:
(إنّ متعلّق التكليف الوجوبي هو الفعل، وهو مستند إلى الإرادة والاختيار، حتّى فيما إذا كان مفروض التحقق عادةً بدون أمر من المولى، فصحّ تعلّق التكليف به، ولا يكون مستهجناً، بخلاف متعلّق التكليف التحريمي، فإنّه الترك وهو عدمي لا يحتاج إلى العلّة الوجوبيّة، بل يكفيه عدم إرادة الفعل وهو أيضاً عدمي، فلو كان الترك حاصلاً بنفسه عادةً لأجل عدم الداعي للمكلّف إلى الفعل، كان النهي عنه لغواً مستهجناً).