96/07/29
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: البحث عن حكم الاضطرار إلى بعض الأطراف
والذي يدلّك على الفرق بين الاضطرار إلىالمعيّن وغير المعيّن، هو ملاحظة حال حصول العلم له بذلك، حيث إنّه لو علم بمتعلّق التكليف في المعيّن، وكونه هو المضطرّ إليه، لما أمكن له تحصيل كلا المقصودين، لكونه مضطرّاً إلى شربه مثلاً، هذا بخلاف المضطرّ إلى غير المعيّن، حيث يصحّ له رفع الاضطرار بالآخر، فالاضطرار إلى المعيّن يدخل في كبرى حديث الرفع ويرتفع الحكم، هذا بخلاف الاضطرار إلى المعيّن حيث لا يدخل تحت حديث الرفع، فلابدّ له من الاجتناب خوفاً عنمصادفته لمتعلّقالتكليف من دون أن يكون هناك مؤمّن عقلي أو شرعي.
أقول: وأمّا ما ادّعاه المحقّق الخراساني رحمهالله من التنافي بين فعليّة الحكم مع التخيير في ارتكاب أحدهما تخييراً، ممّا يقتضي أن لا يكون للعلم الإجمالي بالتكليف الغير الفعلي تأثير، فلا محصّل له، لأنّ فعليّة الحكم تدور مدار وجود موضوعه، فكما أنّ فقدان الموضوع يوجب فقدان الحكم كذلك وجوده يوجب ثبوت الحكم، وعلى هذا كيف يمكن القول بعدم فعليّة الحكم في الاضطرار إلى غير المعيّن مع وجود موضوعه؟! لأنّ المفروض وجود الموضوع بين المشتبهات، والاضطرار الذي يكون رافعاً للموضوع عقلاً أو شرعاً لم يقع على موضوع التكليف على الفرض، لإمكان رفع الاضطرار بغيره ، وعليه فالمكلّف غير مُلجأ إلى الاقتحام في موضوع التكليف، وإن كان معذوراً لو صادف دفع الاضطرار به لجهله بالموضوع.
نعم، لو التزمنا بأنّ معنى فعليّة الحكم هو أنّ المولى بصدد تحصيل مراده على كلّ تقدير وبأيّ وجهٍ اتّفق، حتّى ولو برفع الجهل عن المكلّف تكويناً أو إيجاب الاحتياط عليه تشريعاً، لصار التنافي حاصلاً مع الحكم بترخيص الارتكاب لبعض الأطراف تخييراً لأنّ الترخيص قد يصادف الواقع، فلا يجامع مع إرادة المولى تحصيل الواقع على كلّ تقدير.
هذا، ولكن لا يخفى عدم معقوليّة مثل هذا المعنى في تفسير الفعليّة، بل الثابت أنّ المراد من الفعليّة هو كون الحكم على موضوعه فعليّاً إذا حصل له الشرائط بطبعه من العلم والقدرة، لا إيجاد بعض الشرائط للمكلّف، أو رفع بعض الموانع من ناحية المولى .
ولعلّ الذي حمل المحقّق المذكور قدسسره إلى الالتزام بالمعنى المذكور هو إناطة تنجّز العلم الإجمالي بالمقدور، بمعنى أنـّه إذا تعلّق بأيّ طرفٍ من الأطراف، وكان كلّ واحدٍ منهما مقدوراً للمكلّف ومتمكّناً من تحصيل الامتثال، فحينئذٍ يتنجّز، وأمّا لو لم يكن كذلك، يعني كان المكلّف مضطرّاً إلى ترك امتثال أحدهما، فلا يكون العلم حينئذٍ منجّزاً في كليهما، فلذلك ذهب إلى ما عرفت.
أقول: ولا يخفى عدم تماميّة ما التزم به رحمهالله لأنّ التنجّز يكفي فيه بأن يكون اختيار رفع الاضطرار مقدوراً في غير ما هو التكليف الواقع فيه؛ لأنّ ما يوجب رفع التكليف ليس إلاّ أحد ما يقتضيه فيه عقلاً أو شرعاً، وعنوان أحدهما الذي يرفع الاضطرار بواسطته حكمه الأوّلي ليس تعلّق الاضطرار في الخارج بأحدهما بالخصوص. نعم، يصحّ فيما إذا تعلّق التكليف بكلّ منهما، لأنـّه موجبٌ لشموله لناحيهالاضطرار،حيث يحكمالعقلاء فيهذهالصورة بوجوب الاحتياط والموافقة الاحتماليّة، فيما إذا لم يمكن له تحصيل الموافقة القطعيّة، فلابدّ من الاجتناب عن الطرف الآخر، إذا تمكّن من رفع اضطراره بواحدٍ منهما، كما لا يخفى .
ويرد عليه ثانياً: بأنّ تفريعه رحمهاللهبين صورة الاضطرار إلى أحدهما، مع صورة الفقدان بوجوب الاجتناب في الثاني دون الأوّل لا يرجع إلى محصّل، لأنـّه قد عرفت من تضاعيف كلامنا بأنّ الحكم إذا صار موضوعه موجوداً في الخارج يصبح فعليّاً بلا فرقٍ فيه بين كون الطرف الآخر غير مقدور لأجل فقدانه، أو لأجل تعلّق رفع الاضطرار به.
وعليه، فما ذهب إليه المشهور هو الصحيح الأقوى.