96/07/26
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: البحث عن حكم الاضطرار إلى بعض الأطراف
فيرد عليه أوّلاً: أنـّه ينبغي أن نحدّد المراد من الاضطرار، وأنـّه هل العقلي منه أو العرفي الشرعي ؟
فإن كان الأوّل هو المراد، فيرد عليه أنـّه لا وجه للكبرى، بل هي ممنوعة، وإنكانتالصغرى_'feصحيحة،لأنّ الاضطرارالعقليليس من حدود التكليفالشرعي، بل هو قيدٌ وحدّ بلحاظ حال الامتثال، بمعنى أنـّه غير قادر على الأداء فيكون معذوراً فيمقامالامتثال، لا أنّ هناك محذوراً فيالتكليف فيلسانالشرع والجعل.
وإن أراد الاضطرار العرفي الشرعي، أي ما جعله الشارع رافعاً للحكم، مثل ما ورد في دليل حديث الرفع، فإنّ الكبرى صحيحة، ولكن الصغرى ممنوعة، أي صدق الاضطرار على ترك التكليف في غير المعيّن ممنوعٌ.
بيان ذلك: إنّ الاضطرار إلى غير المعيّن يجتمع مع التكليف الواقعي في البين، ولا مزاحمة بينهما، بلا فرقٍ فيه بين كون الاضطرار قبل تعلّق التكليف بأحد الأطراف أو بعده، وسواء كان قبل العلم به أو بعده أو مقارناً له؛ لأنّ متعلّق الاضطرار ليس شيء معيّن في الخارج حتّى يزاحم التكليف إن كان فيه، بل متعلّقه عبارة عن أحد الأطراف، وبأيّ واحدٍ منها أخذ يرتفع حكم الاضطرار.
نعم، لو تعلّق الاضطرار بكلّ واحدٍ منهما، اتّحد متعلّق التكليف مع متعلّق الاضطرار، ولكن البحث ليس فيه، فكما يصحّ رفع الاضطرار باتّخاذ غير ما هو متعلّق التكليف لو كان له معلوماً، هكذا يصحّ له جعل واحد منهما مورداً للتكليف لو كان معلوماً، فالمصادفة الاتّفاقيّة بين متعلّقيهما ليس من جهة الاضطرار وناحيته، بل هي معلول جهله لمتعلّق التكليف، فعلى هذا لو تعلّق الاضطرار بواحدٍ منها، فلا إشكال أنّ العقل والشرع يحكمان عليه بوجوب الاجتناب عمّا لا يكون مورداً للاضطرار، لأنـّه لو ارتكب الفعل وصادف مخالفته للواقع، لما كان للعبد عذرٌ يعتذر به أمام المولى، لأنـّه إن اعتذر بأنـّه كان مضطرّاً إليه لما قُبِل منه، لتمكّنه من الاضطرار بالفرد الآخر، وهذا بخلاف ما لو أتى بواحدٍ منهما تحصيلاً لأمر الاضطرار، وتَرك الآخر تحصيلاً لأمر التكليف، فحينئذٍ لا يخلو عمله عن إحدى الحالتين:
إمّا أن يكون ما ارتكبه مصادفاً للتكليف، أو ما تركه مصادفاً له، فإن كان الأوّل حاصلاً فلا يعاقب عليه لجهله بكونه متعلّقاً للتكليف حتّى يتركه، ولا محيص له في ذلك مع الجهل، كما أنـّه لو كان المصادف للواقع هو الآخر، يكون التكليف محقّقاً، فنتيجة كلا الأمرين هو رفع الاضطرار وامتثال التكليف، وبالتالي فمجرّد الاضطرار إلى أحدها لا يوجبُ الحكم بجواز ترك التكليف في الآخر.