96/07/23
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: البحث عن تأثير الاضطرار في انحلال العلم الإجمالي
ولولا ما ذكرناه من بقاء العلم الإجمالي في جميع الصور المذكورة لتمّ النقض المذكور في كلامه، ولا يجدي الجواب عنه بأنّ الاضطرار من حدود التكليف دون الفقدان والخروج من محلّ الابتلاء ونحوهما، بل التكليف في الأمثلة المذكورة منتفٍ بانتفاء موضوعه، وذلك لما ذكرناه في الواجب المشروط من أنّ فعليّة الحكم تدور مدار وجود الموضوع بما له من القيود والخصوصيّات، فكما أنّ وجود نفس الموضوع دخيلٌ في الحكم، كذا كلّ واحدٍ من القيود المأخوذة فيه دخيلٌ في الحكم، وبانتفاء كلّ واحدٍ من القيود ينتفي الحكم بانتفاء موضوعه، بلا فرقٍ بين انتفاء ذات الموضوع كما في الفقدان، أو الخروج عن محلّ الابتلاء، وبين انتفاء قيده وهو عدم الاضطرار، كما في محلّ الكلام) انتهى محلّ الحاجة[1] .
أقول: ولا يخفى ما في كلامه من الإشكال، وإنْ صحَّ ما ذكره في أوّل كلامه في وجه بقاء التنجّز بعد الاضطرار، بأنّ التكليف إذا تنجّز بواسطة تعارض الاُصول وتساقطها يوجب ذلك بقائه حتّى لما بعد حدوث الاضطرار، فأصل المدّعى وهذا الوجه من كلامه كلاهما صحيحان.
إلاّ أنّ ما ذكره في الرّد لكلام صاحب «الكفاية» ليس على ما ينبغي؛ لوضوح أنّ النسبة بين العلم والمعلوم تعدّ من النسب ذات الإضافة، فكلّ موردٍ كان المعلوم موجوداً فالعلم موجودٌ معه، وإذا فقد فُقِدَ معه، فكيف يمكن تصوير وجود بقاء العلم الإجمالي به بعد الاضطرار أو الفقدان أو غيرهما دون المعلوم بالإجمال للتكليف، فإذا زال المعلوم بواسطة عروض الاضطرار، ارتفع معه العلم الإجمالي بوجود التكليف بالضرورة.
نعم، يصحّ أن يقال: إنّه كان العلم الإجمالي به موجوداً سابقاً، وإلاّ لو كان ملاك التنجّز دائراً مدار وجود العلم الإجمالي ولو لم يكن المعلوم باقياً إلى زمانه، لزم منه القول بالتنجّز حتّى فيما إذا حدث الاضطرار بين التكليف والعلم؛ لأنّ العلم تعلّق بعد ذلك بمعلومٍ كان التنجّز فيه ميسوراً، لعدم حدوث الاضطرار له حال المعلوم، مع أنـّه لا يكون منجّزاً قطعاً، لعدم بقاء التكليف المعلوم بالتنجّز إلى زمان العلم الإجمالي.
وبالجملة: ظهر ممّا ذكرنا أنّ الحقّ مع صاحب «الكفاية» حيث قال: (لا علم ببقاء التكليف بعد عروض الاضطرار)، يعني أنّ هذه الصغرى صحيحة دون الكبرى وهي كون تنجّز التكليف مع المنجّز وهو العلم حدوثاً وبقاءً، بل الملاك في التنجّز هو كون المعلوم بالتكليف مع العلم الإجمالي المنجّز في حدوثه فقط، أي إذا صار التكليف منجّزاً بالعلم الإجمالي بقى منجزاً حتّى مع زوال العلم الإجمالي بواسطة حدوث الاضطرار أو الفقدان في بعض الأطراف، لأنّ عروض الاضطرار في طرفٍ لا يوجب كونه مؤمّناً لما إذا كان التكليف موجوداً في الطرف الآخر غير المضطرّ إليه، فالعلم الإجمالي المنجّز قبل حدوث الاضطرار يكون هو الحجّة، حتّى لما بعد الاضطرار والفقدان وانتفاء الموضوع بالامتثال وغيره؛ لأنّ العقل والشرع لا يقبّحان تعذيب العبد للارتكابه الطرف الغير المضطرّ إليه إذا صادف الواقع كما لا يخفى.
فحكم المسألة بجميع صورها أصبحت واضحة، وثبت عدم تنجّز التكليف في خمس صور منها في الجملة، وثبوت التنجّز في الصورة الأخيرة في ما إذا كان الاضطرار متعلّقاً بالمعيّن منهما، كما هو المقصود هنا في البحث.
هذا تمام الكلام في المقام الأوّل .