96/02/18
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: البحث عن قيام الملازمة بين وجوب الموافقة وحرمة المخالفة وعدمه
نعم، فيما إذا لم يجر الأصل في شيء من الأطراف للمعارضة،تجبُ الموافقة القطعيّة كما تحرم المخالفة القطعيّة، فإذا علم إجمالاً بحرمة أحد المائعين مثلاً، كانت أصالة الإباحة في كلٍّ منهما معارضة بمثلها في الآخر، فتجبُ الموافقة القطعيّة بالاجتناب عنهما، كما تحرُم المخالفة القطعيّة بارتكابهما معاً. وأمّا إذا علم بحرمة الجلوس في إحدى الغرفتين في زمانٍ معيّن، فيسقط الأصلان للمعارضة، وتجبُ الموافقة القطعيّة بترك الجلوس فيهما وإن كانت المخالفة القطعيّة غير محرّمة، لعدم التمكّن منهما)، انتهى كلامه[1] .
أقول: ولا يخفى ما في كلامهما من الإشكال، فنتعرّض أوّلاً للرّد على كلام سيّدنا الخوئي رحمهالله، ثمّ المحقّق النائيني رحمهالله ثانياً:
أمّا الأوّل: إنّ مقتضى المعيار الذي ذكره في تنجيز العلم الإجمالي، من عدم جريان الاُصول في بعض الأطراف ولو للمعارضة، المستلزم لوجوب الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة القطعيّة، هو كون المثال الثاني أيضاً منه، لأنـّه قد فرض فيه تعارض الأصلين وتساقطهما، وهما أصالة عدم حرمة الجلوس في كلّ منهما في زمان معيّن، فلازمه حينئذٍ وجوب الموافقهالقطعيّة وحرمة مخالفتها،لا التفكيك الذي ذكره من وجوب الموافقة دون حرمة المخالفة، لأنّ ذلك يوجب أن يقال بأنّ وجه التفكيك هنا ليس الذي ذكره، بل أمرٌ آخر وهو ملاك عدم القدرة على المخالفة، ليصحّ القول بالحرمة. ومن المعلوم شرطيّة القدرة في الحكم التكليفي، فعليه ربما يتحقّق بينهما بعكس ذلك بأن تكون المخالفة القطعيّة حراماً بخلاف الموافقة القطعيّة حيث لا تكون واجبة، لعدم القدرة عليه مثل المثال المزبور، لكن إذا فرض علمه إجمالاً بوجوب الجلوس في إحدى الغرفتين في زمانٍ معيّن، حيث إنّه يكون الأصل في كلّ منهما معارضاً بالآخر، وهو أصالة عدم الوجوب، ومع ذلك لا يجوز له ترك الجلوس فيهما حتّى تتحقّق المخالفة القطعيّة، مع أنّ الموافقة القطعيّة غير واجبة، لعدم قدرته على تحصيلها، لوضوح أنـّه لا يقدر على الجلوس فيهما في زمانٍ معيّن.
وعليه، فالأحسن في طرح البحث بين وجود الملازمة وعدمه، ملاحظة ما يمكن للمكلّف بحسب طبعه إيجاد كلّ من الموافقة والمخالفة، فحينئذٍ يصحّ طرح هذه المسألة من وجود الملازمة بينهما وعدمه .
وأمّا نظريّة المحقّق النائيني رحمهالله: فإنّه يظهر ممّا ذكرناه الإشكال على نظريّته رحمهاللهفي الشبهة غير المحصورة، لأنـّه :
أوّلاً: قال بعدم حرمة المخالفة القطعيّة فيها، لأجل عدم التمكّن منهما، حيث لا يمكن جعل ذلك ملاكاً لعدم وجوب الموافقة، لأجل عدم حرمة المخالفة، لأنّ التفكيك بينهما ذاتيٌ من جهة وجود القدرة في إحداهما دون الاُخرى، فيصحّ القول بوجود الملازمة بينهما، فيما يمكن إيجادهما مع فرض تنجّز العلمالإجمالي، لما قد عرفت في أوائل البحث بأنّ العلم الإجمالي كما يقتضي عقلاً وعقلاءً تحصيل الامتثال بالموافقة، كذلك يقتضي تحصيل الامتثال بترك المخالفة القطعيّة، إلاّ أن يرد دليلٌ بالخصوص يدلّ على ترك الامتثال في إحداهما فيُؤخذ به، وما ترى من جريان الأصل في بعض الموارد وفي بعض الأطراف دون بعض، حيث يوجب سقوط العلم الإجمالي عن التنجّز بالانحلال أو غيره من العُسر أو الحَرج أو الاضطرار، فهو أمرٌ آخر لا يضرّ بما نحن فيه، ولذلك نقول بثبوت الملازمة بينهما كما لا يخفى.