95/12/23
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: نظريّة المحقّق النائيني حول نفي التخيير
والعجب عن المحقّق الخميني رحمهالله بما قد ذكره من الاستدراك في آخر كلامه في هذه الفقرة من الإشكال، بقوله:
(نعم، لو بنينا على أنّ التكليفين يسقطان معاً، يستكشف العقل لأجل الملاك التامّ حكماً تخييريّاً، ويمكن أن يقال إنّ التخيير بينهما إنّما يكون لأجل المدلول لا الدليل على إشكالٍ فيه).
أقول: لكنّه على خلاف مسلكه رحمهاللهلأنّ الدليلين إذا سقطا وخرجا عن الدلالة، فلا وجه لجعل التخيير من مدلولهما؛ لأنّ المدلول تابعٌ لوجود الدليل، لأنـّه يعدّ من الاُمور ذات الإضافة، فلا يمكن تصوّر وجود المدلول إلاّ بوجود الدليل، ولعلّه لذلك تفطّن رحمهالله إليه وقال: (على إشكالٍ فيه) .
نعم، أورد المحقّق المزبور تبعاً للمحقّق العراقي في «نهاية الأفكار» إشكالاً ثالثاً على ما ذكره المحقّقالنائيني بالنسبة إلى الأصلين المتعارضين في أطراف المقرون بالعلم الإجمالي، ونكتفي بذكر كلام المحقّق الخميني رحمهالله في «تهذيب الاُصول» بقوله:
(الثالث: إنّ لنا أن نقول: إنّ التخيير بين الأصلين المتعارضين من مقتضيات الدليل والكاشف، ومن مقتضيات المنكشف والمدلول.
أمّا الأوّل: فبأن يقال إنّ قوله عليهالسلام: «كلّ شيء فيه حلال وحرام.. إلى آخره»، يدلّ على حليّة كلّ مشتبه، وله عمومٌ أفرادي وإطلاقٌ أحوالي، ولكن الإذن في حليّة كلّ واحدٍ يوجبُ الإذن في المعصية، والترخيص في مخالفة المولى، وبما أنّ الموجب لذلك هو إطلاق دليل الأصلين لا عمومه، فيقتصر في مقام العلاج إلى تقييده، وهو حليّة ذاك عند عدم حليّة الآخر، حتّى لا يلزم خروج كلّ فردٍ على نحو الإطلاق، فيكون مرجع الشكّ إلى المجهول بمقدار الخارج، فالعموم حجّة حتّى يجيىء الأمر البيّن على خلافه.
والحاصل: كما أنّ الموجب للتخيير في الصورة الاُولى هو اجتماع دليل العام، وإجمال دليل الخاص،بضميمة وجوبالاقتصار على القدرالمتيقّنفيالتخصيص، كذلك اجتماع دليل الاُصول مع لزوم التخصيص حذراً عن المخالفة العمليّة، ودورانه بين خروج الفردين مطلقاً وفي جميع الأحوال، أو خروج كلّ منهما في حال عدم ارتكاب الآخر، موجبٌ للتخيير في المقام، بل ما نحن فيه أولى منه، لأنّ المخصّص هنا عقليٌ، والعقل يحكم بأنّ ما يوجب الامتناع هو إطلاق الدليل لا عمومه الأفرادي، فليس المخصّص حكم العقل مجملاً دائراً بين الأقلّ والأكثر كما في المثال، فيحكم العقل حكماً ثابتاً بأنّ ملاك التصرّف في أدلّة الحليّة ليس إلاّ تقييد الإطلاق لا تخصيص الأفراد.