95/12/17
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الوجوه الدالّة على جواز جريان البراءة في أطراف العلم الإجمالي
ثمّ أورد المحقّق الحائري عليه: ـ بعد جعل الخطابين المتعلّقين بالإنقاذ في الغريقين من هذا القبيل؛ أي يجب إنقاذ كلّ مشروطاً مع ترك الآخر ـ بقوله:
(لا يقال: لازم ذلك ثبوت الخطابين في حال ترك كليهما، لثبوت شرط كلّ منهما، فيلزم من ذلك التكليف بما لا يطاق في الحال المفروض في مسألة الغريقين، وكذا يلزم الإذن في المعصية في تلك الحال في الشبهة المحصورة.
لأنـّا نقول: إنّ الإطلاق لا يقتضي إيجاد الفعل في حال تركه، حتّى يلزم المحذور المذكور، فافهم.
ثمّ أورد عليه ثانياً:
لا يقال: إنّ لازم ما ذكر اجتماعاللّحاظينالمتنافيين فيالأدلّة المرخّصة؛ لأنّ الإذن فيها مطلقٌ بالنسبة إلى الشبهاتالبدويّة،ومشروطٌبالنسبهإلىالشبههالمقرونة بالعلم الإجمالي، فيلزم في إنشاء واحد أن يلاحظ ذلك الإنشاء مطلقاً ومشروطاً.
لأنـّا نقول: هذا المحذور إنّما يرد إن قلنا بأنّ القيد الوارد على المطلق كاشفٌ عن إرادة المقيّد في مقام الاستعمال، وأمّا إن قلنا إنّ المطلق في مقام الإلقاء اُريد منه ما هو ظاهره، وأنّ القيد كاشفٌ عن عدم الإرادة في مقام اللبّ، فلا محذور كما لا يخفى، هذا.
فأورد قدسسره على أصل الاستدلال بقوله:
ولكن الأدلّة الدالّة على أنّ العالم يحتجّ عليه بما علم، وأنـّه في غير سعةٍ من معلوماته تقتضي الاحتياط بحكم العقل، وتنافي الترخيص الذي استكشفناه من الإطلاق، هذا مضافاً إلى منع إطلاق الأدلّة المرخّصة، بل هي متعرّضة لحكم الشكّ من حيث إنّه شكّ) انتهى كلامه.
أقول: ولا يخفى على المتأمّل بأنّ الأدلّة المرخّصة إن كان لها إطلاقٌ قادر على الشمول حتّى للشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي في المحصورة، فلازم دلالتها اللفظيّة هو ترخيص كلّ واحدٍ منهما، فحيث لا يمكن ذلك، فلا محالة يقيّد الإطلاق ويخصّص عمومه بغير هذا المورد من الموردين الآخرين من الشبهة البدويّة والشبهة غير المحصورة.
وعليه، فدعوى التخصيص بالنسبة إلى أحدهما ـ مضافاً إلى مزاحمته مع العلم كما عرفت ـ لا تأثير فيه؛ لأنّ أحدهما كان من الأوّل واقعاً مباحاً وحلالاً إن اُريد الحكم بالإباحة واقعاً، وإن اُريد الحكم به ظاهراً فربما يصادف الحرام فيما يعلم وجوده، أو بما قامت الحجّة على تركه، لو لم يعلم بالحكم الواقعي، فيلزم الإذن في المعصية عند العقلاء، وهو ممنوعٌ، إلاّ أن يرد دليلٌ خاصّ من الشارع على هذه الكيفيّة المفروض فقدانه.
هذا كلّه بعد عدم تسليم ما ذكره المحقّق الخميني رحمهاللهفي حقّ صحيحة عبدالله ابن سنان، من دعوى أنّ مورده هو المختلط لا ما في ماهيّته النوعيّة حلالٌ وحرام، وإلاّ لا معنى لجعل جزء الحرام من المختلط حلالاً إن تَرَك الجزء الحرام من مختلطٍ آخر، فاحتمال جواز الارتكاب في البعض التخييري بواسطة أدلّة الترخيص مشكلٌ جدّاً، لما ذكرنا، وإلاّ كان دعوى الشمول بحسب إطلاقه لكلّ واحدٍ منهما فضلاً عن أحدهما قويّاً.