95/12/09
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: البحث عن إمكان جريان الاُصول المجوّزة في أطراف
العلم الإجمالي وعدمه
وأمّا الكلام بالنسبة إلى كلّ واحدٍ من أدلّة الاُصول من الاستصحاب والبراءة والحلّ، فقد يُقال :
بأنّ دليل الاستصحاب لا يمكن شموله لأطراف العلم الإجمالي؛ لأنّ التعيين الوارد فيه عبارة عن الحُجّة دون العلم الجازم، فإذا قامت الحجّة على مورد الشكّ، فلا يعمل بالحجّة السابقة، فلابدّ أن تكون تلك الحجّة أقوى من السابقة، وإلاّ لا معنى لرفع اليد عن الحجّة المساوية لحجّةٍ اُخرى مثلها إلاّ بالدليل الدالّ على ذلك، كما هو الحال كذلك في الاستصحاب، حيث قال الإمام عليهالسلام: «لا تنقض اليقين بالشكّ بل انقضه بيقينٍ مثله». أي لا يجوز للمكلّف أن يرفع اليد عن الحجّة بالشكّ اللاّحجّة، بل عليه رفع اليد عنها بحجّة اُخرى مثلها، وفي مثل مورد العلم الإجمالي قد حصل الحجّة وهو العلم بوجود الحرام في البين، وحَكَم العقل بلزوم الاجتناب عن كلّ منهما لتحصيل الامتثال، فلا يبقى للاستصحاب حينئذٍ مورداً، إلاّ أن يكون المراد من اليقين الثاني هو اليقين المتعلّق بخصوص طرفٍ خاص، وهو غير حاصل في المقام، لوجود الشكّ فيه على الفرض، فحينئذٍ لا وجه للإشكال فيه إلاّ بما ذكرناه قبل ذلك من لزوم التعارض، أمّا تقديم أحدهما المعيّن فهو ترجيحٌ بلا مرجّح، كما أنّ ترجيح أحدهما غير المعيّن لا أثر له، والنتيجة هي التعارض والتساقط.
أقول: يظهر من بعض الأعلام ـ مثل سيّدنا الاُستاذ الخميني قدسسرهـ دعوى انصراف أدلّة الاستصحاب إلى الشكّ الساذج، فلا يشمل المقرون بالعلمالإجمالي.
لكن فيه تأمّل، لعدم وجود ما يظهر ذلك، إلاّ أن يتمسّك بما في الرواية من الشواهد والقرائن، وتحقيقه موكولٌ إلى محلّه، مع أنـّه ثبت ممّا ذكرنا أنـّه لو شُكّ في الشمول وعدمه فمقتضى القاعدة هو عدم التمسّك، لكونه حينئذٍ من قبيل الشبهة المصداقيّة للعام، فلا مجال للتمسّك به .
وأمّا موثّقة مسعدة: فقد ذهب صاحب «تهذيب الاُصول» إلى (أنـّها مشتملة على أمثلة ليست من صغريات تلك الكبرى، فعلى ذلك لا يبقى للكبرى المذكورة فيها وهي: «كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أنـّه حرامٌ بعينه» ظهورٌ في كونها ضابطاً فقهيّاً مطّرداً في الأبواب) انتهى كلامه .
وفيه: قد عرفت الإشكال بما ذكرناه سابقاً حيث قلنا بعدم المنافاة بين الصدر والأمثلة، فتفيد الكبرى بإطلاقها ضابطة كليّة، لولا دعوى الانصراف، فيشمل الشبهة المقرونة بالعلم الإجمالي .
إلاّ أن يقال: بحصول الغاية هنا، وهو حكم العقل بوجوب الاجتناب عن الجميع، تحصيلاً للأمن عن العقاب، وقيام هذا الدليل على ذلك يوجب عود الإشكال السابق من الترجيح بلا مرجّح، لو شمل أحدهما المعيّن، أو بلا أثر لو كان غير المعيّن، مضافاً إلى التعارض لو شمل كليهما، لاستلزامه المخالفة القطعيّة وهو خروجٌ عن الفرض، لأنـّه كان في وجوب الموافقة القطعيّة، كما لا يخفى.