95/12/07
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: البحث عن وجوب الموافقة القطعيّة في أطراف العلم الإجمالي
وأمّا الكلام في مرحلة الإثبات: من ملاحظة حال أدلّة الاُصول، فنقول:
إنّ الدليل القائم على الترخيص لبعض الأطراف من العلم الإجمالي: إمّا أن يكون عقليّاً، أو شرعيّاً:
فالأوّل: ليس إلاّ البراءة العقليّة، وهو غير شاملٍ لبعض الأطراف، وذلك باعتبار أنّ ملاكها قاعدة قبح العقاب بلا بيان، ولا مجال لجريانها بعد تماميّهالبيان، ووصول التكليف إلى المكلّف بالعلم الإجمالي، لأنّ العلم سواءً كان تفصيليّاً أو إجماليّاً يعدّ حجّة وبياناً على التكليف، ولذلك لا يقال لمن يعلم بوجود الحرمة بين الشيئين أنـّه ممّن لا يعلم، إذ الحجّة ليست منحصرة بالأمارة فقط، بل حكم العقل بوجوب الاجتناب وتحصيل الموافقة حجّة اُخرى .
لا يُقال: إنّ الحجّة قامت على التكليف الواقع في البين، لا على كلّ طرفٍ من الأطراف، إذ هو مشكوك فتجري فيه البراءة .
لأنـّا نقول: إنّ الحجّة كما أنـّها قائمة على الواقع في البين، كذلك قائمة على الطرف إذا صادف الواقع بعد الارتكاب؛ لأنّ العقل يحكم بذلك، فلابدّ من الاجتناب، ولا تجري فيه قاعدة قبح العقاب بلا بيان.
لا يقال: بأنّ العلم إذا كان صرف وجوده ولو إجمالاً موجباً لحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، فلزم منه القول بوجوب الاجتناب حتّى في الشبهات غير المحصورة إذا علم إجمالاً بوجود الحرام فيها، مع أنـّه لم يلتزم به الاُصوليّون.
لأنـّا نقول: إنّ العلم الإجمالي وإن كان مقتضاه كذلك، إلاّ أنـّه لا يمنع مانع عن التنجيز، كما في الشبهات غير المحصورة، وهو عبارة عن العُسر والحرج، أو اختلال النظام، أو الاضطرار، أو عدم الأثر للتنجيز فيه، لعدم كونه مورداً للابتلاء، هذا بخلاف المقام، المفروض فيه وجود جميع هذه الخصوصيّات، فالعلم منجّزٌ وبيان ولابد عقلاً من تحصيل الامتثال والموافقة القطعيّة، وهو المطلوب.