95/12/01
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الطائفة الثانية من الأخبار
منها: موثّقة مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله عليهالسلام، قال:
«سمعته يقول: كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم أنـّه حرامٌ بعينه فتدَعه مِنْ قِبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، والمملوك عندك لعلّه حُرٌّ قد باع نفسه، أو خُدِع فبيعَ قهراً، أو امرأةً تحتك وهي اُختك أو رضيعتك، والأشياء كلّها على هذا حتّى يتبيّن لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة»[1] .
قال المحقّق الخميني في «تهذيب الاُصول»: إنّ صدر الرواية عامٌ يشمل المشتبه المقرون بالعلم الإجمالي، كما يشمل الشبهة البدويّة، أمّا الغاية فهي مرتبطة بخصوص العلم التفصيلي دفعاً للإشكال المتقدّم، إلاّ أنـّه أورد عليه:
(بأنّ الموارد المذكورة في ذيله ليس من صغريات تلك الكبرى في الصورة؛ لأنّ الحليّة في الأمثلة مستندة على أمارات وقواعد متقدّمة على أصالة الحلّ؛ لأنّ اليد في الثوب أمارة للملكيّة، وأصالة الصحّة في العقد هي المحكّم في المرأة، واستصحاب عدم كونها رضيعة عند الشكّ فيها، إلى غير ذلك من القواعد، حيث يوهن كونه من انطباق الكبرى على الصغريات، ولأجل ذلك لابدّ من صرفها عن مورد القاعدة بأن يُقال إنّها بصدد بيان الحِلّ ولو بأمارة شرعيّة مع الجهل الوجداني بالواقع، وكيف كان، فالاستناد بها فيالمقام مشكلٌ)،انتهى_'feمحلّالحاجة.
أقول: وفيه ما لا يخفى، فإنّ الرواية برغم اشتمالها على تلك الأمثلة فهي ترشدنا إلى أنّ موردها الشبهة الموضوعيّة لا الحكميّة، أي المكلّف الذي كان الحكم عنده معلوماً ثمّ اشتبه عليه متعلّقه وموضوعه، مع أنّ بحثنا هنا عن الشبهات الحكميّة كما لا يخفى، هذا أوّلاً.
وثانياً: أنـّه على فرض تسليم عموم صدر الحديث للمقام، ولكن مجرّد وجود الأمارة والقواعد على الحليّة في تلك الأمثلة لا يوجبُ وهن التطبيق، لأنـّه لا مانع من أن يكون الدليل على الحليّة والجواز عبارة عن شيئين، وهما: أصالة الحلّ، ووجود إحدى تلك القواعد في الشبهات الموضوعيّة لا الشبهات الحكميّة.
نعم، يصحّ أن يقال: بأنّ ذكر الأمثلة الكذائيّة يوجبُ انصراف عموم الصدر إلى خصوص الشبهات الموضوعيّة، التي غالباً كان فيها تلك القواعد، فيصحّ من ملاحظة تلك الغلبة الحكم بالحليّة فيها بنحو الكلّ، فلا ينافي حينئذٍ القول بوجوب الاجتناب عن أطراف العلم الإجمالي إذا كان الشبهة حكميّة، ولم يكن في موردها قاعدة ولا أصلاً عقلائيّاً، بل وكذلك في الشبهة الموضوعيّة إذا لم يكن في موردها أمارة ولا أصل.
وثالثاً: على فرض التسليم بأنّ للصدر عموماً يشمل حتّى الشبهات الحكميّة أو الموضوعيّة في أطراف العلم الإجمالي، كما يشمل الشبهات البدويّة، فإنّه لا مانع للقول بالتخصيص بواسطة الإجماع وارتكاز العقلاء ـ كما ستأتي الإشارة إليه ـ والحكم بالحليّة في خصوص الشبهات البدويّة أو الموضوعيّة، برغم وجود البيّنة والأمارة والقاعدة على الحليّة.