95/11/26
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: الكلام في الاُصول بحسب مقام الإثبات
وأمّا من ناحية الدلالة:
فأمّا حديث عبد الله بن سنان، فقوله: «كلّ شيء فيه حلالٌ وحرام فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدَعه» ، لا يخلو عن احتمالات ثلاث أو أزيد.
أمّا دعوى اختصاصها بالشبهات البدويّة: بأن يُقال: إنّ المقصود هو بيان تقسيم الطبيعة إلى القسمين من الحلال والحرام، وأنـّه متى اشتبه في شيء ولم يعلم من أيّهما هو، فهو حلالٌ. ففي هذه الصورة ليس المقصود وجود كليهما في الخارج عنده، حتّى يكون من الشبهة الموضوعيّة، ولا العلم بوجودهما في شيء موجود فيالخارج حتّى_'feيشمل صورهالعلمالإجمالي،فإنْكان هذا الاحتمال داخلاً فيه، فلا إشكال في أنّ المعرفهالواقع في الغاية عبارة عن العلم التفصيلي، والعرفان بخصوصيّة شخصه، فحينئذٍ يساعد الحديث بأن يكون من جملة أخبار البراءة.
قال المحقّق الخميني في «التهذيب»: إنّ هذا الاحتمال من أردئ الاحتمالات؛ لأنّ التعبير عن الشبهة البدويّة بهذه العبارة بعيدٌ غايته، مع إمكان أن يقول: (كلّ ما شككت فهو لك حلال) أو (الناس في سعةٍ ممّا لا يعلمون).
أقول: كون المراد هو تلك الشبهة بذاتها ليس ببعيدٌ، لكن دعوى الاختصاص بها فقط، وعدم شموله لموارد العلم الإجمالي، أي المشتبه الذي كان فيه حلالٌ وحرام بالإجمال ممنوعة، لأنـّه يصدق عليه أنـّه شيءٌ فيه حلالٌ وحرام، وعليه فهذا الاحتمال؛ أي عدم شموله للشبهات الموضوعيّة في أطراف العلم الإجمالي بذاته بعيدٌ جدّاً كما لايخفى،إلاّ أن ينتهي إلى الحمل عليه وهو ماسيأتي وجهه لاحقاً.
أو يقال: بالاحتمالالثاني، وهو اختصاصها بالعلم الإجماليفقط، بأن لايشمل غيره، كما ادّعى صاحب «تهذيب الاُصول» ظهور ذلك من الرواية الثانية والثالثة، ثمّ علّق عليه بقوله:
(ولا يبعد أن يكون حديث الأوّل في هذا المورد أيضاً، فيكون المراد حينئذٍ هو ما لو كان عند إنسانٍ مالٌ فيه حلالٌ وحرام، بعضها معلوم الحرمة، وبعضها معلوم الحليّة، فيُقال حينئذٍ: إنّه شيءٌ فيه حلالٌ وحرام، فهو لك حلال، أي المشتبه منه حلالٌ حتّى تعلم وتعرف الحرام بعينه ، فلابدّ أن يكون المراد من العرفان هو العلم التفصيلي).
والتزم أخيراً بأنـّه من أقرب الاحتمالات.
بل نقول على هذا الاحتمال: لابدّ أن تكون الغاية هو العلم التفصيلي متعيّناً، لعدم إمكان جعل العلم الإجمالي غايةً للعلم الإجمالي، إذ لازم هذا الاحتمال هو جعل الترخيص في أطراف العلم الإجمالي، فالعلم المنجّز حينئذٍ لا يكون إلاّ التفصيلي منه، وهو أيضاً ممّا لا يمكن المساعدة معه.
وثالثاً: كون المراد هو الأعمّ من العلم الإجمالي، حتّى يشملالشبههالبدويّة، بأن يقال: إنّ كلّ طبيعةٍ فيه حلالٌ معيّن وحرامٌ معيّن وفردٌ مشتبه، فالمشتبه منها حلالٌ حتّى يُعرف الحرام منه.