95/11/05
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: نظريّة المحقّق الخوئي حول جريان الاُصول في الأطراف
أقول: لكن يظهر من المحقّق النائيني رحمهالله أنـّه أراد التفصيل في ذلك بين الاُصول في جريانها في أطراف العلم الإجمالي وعدمه، مع كون علّة كلّ واحدٍ منها غير آخر ـ منعاً وإمكاناً، فلا بأس بذكر خلاصة كلامه وحاصل مرامه، قال رحمهاللهفي «فوائد الاُصول»:
(إنّ الاُصول العمليّة تختلف من حيث الجريان وعدم الجريان في أطراف العلم الإجمالي حسب اختلاف المجعول فيها، وحسب اختلافالمعلومبالإجمال.
وتوضيح ذلك: هو أنّ العلم الإجمالي عبارة عن خلط علمٍ بجهل، وتنحلّ القضيّة المعلومة بالإجمال إلى قضيّة معلومة بالتفصيل على سبيل منع الخلوّ في ضمنجميعالأطراف،وقضيّتينمشكوكتين،فيكلّ طرفٍ بالخصوص علمٌ بوجوب أحد الشيئين أو الأشياء.
إلى أن قال: ومن المعلوم أنّ رتبة الحكم الظاهري ليست محفوظة بالنسبة إلى القضيّة المعلومة بالتفصيل؛ لأنّ الجهل بما لابدّ منه في كلّ حكمٍ ظاهري ـ أمارةً كان أو أصلاً تنزيليّاً أو غير تنزيلي ـ فلا مجال للتعبّد بكلّ أمارة أو أصل كان مؤدّاه مماثلاً أو مضادّاً لنفس المعلوم بالإجمال، فلو فرض أنّ هناك أصلٌ كان مؤدّاه مضادّاً لنفس المعلوم بالإجمال، فهذا الأصل لا يجري، وينحصر ذلك ظاهراً في أصالة الإباحة عند دوران الأمر بين المحذورين، لما تقدّم في تلك المسألة من أنّ أصالة الإباحة تقابل نفس المعلوم، فلو علم إجمالاً بوجوب فعل شيء أو تركه، فأصالة الإباحة من الفعل تقتضي الرخصة في كلّ من الفعل والترك، وكذا أصالة الإباحة من الترك تقتضي ذلك، وهذا ينافي العلم بوجوب الفعل أو الترك، فأصالة الإباحة لا تجري في كلّ من طرفي الفعل والترك، لأنّ مفادها يضادّ المعلوم بالإجمال، فلا موضوع لها، لما عرفت من أنّ الشكّ قد اُخذ موضوعاً في الاُصول العمليّة، وأمّا ما عدا أصالة الإباحة من البراءة والاستصحاب في مسألة دوران الأمر بين المحذورين، ومطلق الاُصول، حتّى أصالة الإباحة في غير تلك المسألة، فلا يقابل شيء منها نفس المعلوم بالإجمال، ولا تكون مؤدّياتها مضادّة لما هو المحرز بالوجدان.
إلى أن قال: نعم، في خصوص الاُصول التنزيليّة المُحرِزة كالاستصحاب جهةٌ اُخرى غير انتفاء الموضوع، تمنع عن جريانها في أطراف العلم الإجمالي، وهي قصور المجعول فيها عن شموله لأطراف العلم الإجمالي .
وتوضيح ذلك: هو أنّ المجعول في الاُصول التنزيليّة على ما عرفت إنّما هو البناء العملي، والأخذ بأحد طرفي الشكّ على أنـّه هو الواقع، وإلغاء الطرف الآخر، وجعل الشكّ كالعدم في عالم التشريع، فإنّ الظاهر من قوله عليهالسلام في أخبار الاستصحاب: «لا تنقض اليقين بالشكّ» هو البناء العملي على بقاء المتيقّن،وتنزيل حال الشكّ منزلة حال التبيّن والإحراز على ما سيأتي توضيحه في محلّه، وهذا المعنى من الحكم الظاهري في الشبهات البدويّة الغير المقرونة بالعلم الإجمالي يمكن جعله، وكذا المقرونة بالعلم الإجمالي، لكن بالنسبة إلى بعض الأطراف. وأمّا بالنسبة إلى جميع الأطراف فلا يمكن مثل هذا الجعل، للعلم بانتقاض الحالة السابقة في بعض الأطراف، وانقلاب الإحراز السابق الذي كان في جميع الأطراف إلى إحرازٍ آخر يُضادّه، ومعه كيف يمكن الحكم ببقاء الإحراز السابق في جميع الأطراف ولو تعبّداً؟! فإنّ الإحراز التعبّدي لا يجتمع مع الإحراز الوجداني بالخلاف.