95/10/28
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: قاعدة الاشتغال
وقيل في توضيح كلامه: (بأنّ مراده من الفعليّة من جميع الجهات، أي بأن كان واجداً لما هو العلّة التامّة للبعث والزجر، وهما الإرادة والكراهة المنقدحتان في نفس المولى، على طبق الوجوب والحرمة، على ما هو ظاهر كلامه في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي، فالفعليّة هنا إنّما يوجب البعث والزجر في النفس النبويّة أو الولويّة، ففي ذلك يكون التكليف منجّزاً، فيصحّ العقاب على مخالفته، فيخصّص أدلّة البراءة عمومها عقلاً بغير المقام، لأجل حصول المناقضة لولا التخصيص، هذا بخلاف ما لو لم يكن فعليّاً من ناحية العلم، وإن كان فعليّاً من سائر الجهات؛ أي البلوغ والعقل والقدرة وغيرها، على نحوٍ لو تعلّق به العلم التفصيلي لتنجّز وحصل به البعث والزجر والإرادة والكراهة على طبقه، فإنّه حينئذٍ لم يكن منجّزاً، فحينئذٍ تجري أدلّة البراءة في جميع أطرافه، فضلاً عن بعضها، ولم يجب الاحتياط في شيء من أطرافه لا كلاًّ ولا بعضاً، لعدم المانع عن شمولها لها لا عقلاً ولا شرعاً).
هذا حاصل مختاره رحمهالله مع ما قيل في توضيح مراده .
وأورد المحقّق الفيروزآبادي على كلامه أوّلاً: (بأنّ منجّزيّة العلم الإجمالي للتكليف كان بالاقتضاء لا العليّة التامّة كما هو مختاره في باب القطع، ونقض القول بالعليّة المستلزمة للمناقضة أو احتمالها المحال من الترخيص في الأطراف كلاًّ أو بعضاً ـ بورود الترخيص في الشبهات غير المحصورة والشبهات البدويّة، فلو كان بصورة العليّة لما رخّص فيهما، مع أنـّه قد رخّص فيهما من دون وقوع المناقضة للحكم الواقعي المعلوم بالإجمال في الأوّل، أو المحتمل في الثاني ، فيفهم أنـّه ليس بصورة العليّة، بل كان بالاقتضاء، فبناءً عليه يجوز الترخيص حتّى في الأطراف المحصورة كلاًّ أو بعضاً، من دون لزوم المناقضة مع الحكم الواقعي في البين المعلوم بالإجمال)[1] .
أقول: وفيه ما لا يخفى؛ لأنّك قد عرفت بأنّ العلم سواءً كان تفصيليّاً أو إجماليّاً ليس إلاّ الكشف الحقيقي، من دون وجود شبهة الخلاف فيه؛ يعني أنّ المكلّف إذا حصل له العلم الجزمي بوجوب الصلاة تفصيليّاً، مع معلوميّة خصوصيّتها بكونها جمعة مثلاً، فكما أنّ ذلك يوجب تنجّز التكليف عليه، يفيد استحقاقه بحسب حكم العقل العقوبة عند المخالفة، فهكذا يكون في صورة العلم بوجوب أصل التكليف بالصلاة، ولكن المردّدة بين الجمعة والظهر، وفرض إمكان تحصيل الامتثال ولو بالتكرار بإتيان كليهما، وهذا لا يعني إلاّ العليّة، ولا يجوز للمولى جعل حكم ترخيصي في مورده إلاّ بأن يرفع يده عن الحكم الواقعي في البين، بواسطة وجود مصلحةٍ أهمّ أو مفسدة أهمّ من المصلحة الأوّليّة، يسقط حينئذٍ بواسطة رفع أصل المصلحة أو المفسدة في المتعلّق، وهو خلاف المطلوب؛ لأنّ المفروض عدم التغيّر في الأحكام الواقعيّة في الشبهات البدويّة وغير المحصورة والمحصورة، فتجويز الترخيص في تلك الموارد، مع وجود العلم بأصل التكليف في الموارد الثلاثة في العِلْمين، ليس معناه إلاّ تجويز الجمع بين المتناقضين، بأن يُقال: إنّ المولى راضٍ بتركه في الواجب جدّاً، وغير راضٍ قطعاً وجزماً، فهل هذا إلاّ التناقض؟!
هذا، ولا يخفى أنّ مثل هذا الإشكال غير وارد على صاحب «الكفاية».