درس خارج اصول استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

95/10/26

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: قاعدة الاشتغال

 

وقد عرفت أنّ البحث فيه يقع في مقامات ثلاث:

تارةً: في المتباينين .

واُخرى: في الأقلّ والأكثر الاستقلالي.

وثالثة: في الأقلّ والأكثر الارتباطي.

أقول: قبل الخوض فيها لابدّ من تقديم مقدّمة وهي :

أنّ البحث يدور حول أنّ العلم الإجمالي هل هو بوجوده يوجب التنجّز للمكلّف، ولو لم يكن المتعلّق معلوماً، أم لا يوجب له، للفرق بين العلم التفصيلي والإجمالي، فحيث قد مضى تفصيل البحث في باب القطع في باب العلم الإجمالي، ولذلك نكتفي هنا بالبحث عن هذا الأمر على نحو الاختصار والإشارة دون التفصيل عنه والإطالة، فنقول:

لا إشكال في أنّ العلم سواءً أكان تفصيليّاً أم إجماليّاً، عبارة عن انكشاف الواقع كشفاً حقيقيّاً، وقد حقّقنا في محلّه بأنـّه لا إبهام فيه أصلاً في التفصيلي منه فواضح، ولا الإجمالي، بل الجهل والإبهام إنّما يتحقّقان في المتعلّق للتكليف لا في نفس العلم والمعلوم، وعليه فإذا حصل العلم بالتكليف فهو يوجب التنجّز، ولابدّ حينئذٍ من تحصيل الامتثال، فيُقال في وجهه:

بأنّ احتمال التكليف الإلزامي بنفسه مساوقٌ لاحتمال العقاب على مخالفته، والعقل يحكم مستقلاًّ بلزووم الاجتناب عنه، وتحصيل المؤمّن، فضلاً عمّا إذا كان التكليف مقطوعاً، وهذا هو الملاك في حكم العقل بلزوم الإطاعة في موارد العلم التفصيلي، أو قيام الحجّة المعتبرة عليه، فإنّ مخالفة التكليف الواصل إلى المكلّف بالعلم الوجداني، أو قيام الحجّة المعتبرة عليه، لا تستلزم القطع بالعقاب عليه لاحتمال العفو منه سبحانه وتعالى والشفاعة من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌و‌آلهوالأئمّة عليهم‌السلام، وإنّما المتحقّق هو احتمال العقاب على المخالفة، وهو كافٍ في حكم العقل بالتنجيز، فلا فرق في حكم العقل بلزوم الإطاعة الناشئ من احتمال العقاب، بين كون التكاليف معلومة أو محتملة، إلاّ أن يثبت فيه مؤمّنٌ من العقاب عقلاً ـ كقاعدة قبح العقاب بلا بيان ـ أو شرعاً كالأدلّة الشرعيّة من حديث الرفع وغيره.

أقول: بعد الوقوف على هذه المقدّمة ينبغي أن نتعرّض لأصل البحث، وقد سبق القول إنّ فيه ثلاث مقامات:

المقام الأوّل: من المقامات الثلاثة هو حصول العلم الإجمالي في الفردين المتردّدين المتباينين.

ثمّ هذا قد يكون الشكّ فيه:

تارةً: متعلّقاً بالأفراد المحصورة كالفردين أو أزيد.

واُخرى: يكون في الأفراد غير المحصورة.

هذا، وهنا بعض المباحث التي يكون مشتركاً بينهما، ولا اختصاص له بأحدهما، بخلاف بعض آخر حيث يكون مختصّاً بأحدهما دون الآخر، كما سيظهر ذلك من خلال البحوث القادمة، بل قد تكون المباحث مشتركة لجميع موارد الشكّ في المكلّف به من دون اختصاص بالمتنافيين.

هذا، ويقتضي المقام التنبيه على اُمور مهمّة:

الأمر الأوّل: هل العلم الإجمالي ـ بعد كونه كشفاً حقيقيّاً ـ كالعلم التفصيلي في اقتضاءه لتنجيز التكليف على نحو العلّة التامّة، أم لا ؟

ولا يخفى أنّ هذا البحث من العلم الإجمالي مرتبط بباب القطع كما اُشير إليه هناك، وقلنا بأنّ العلم الإجمالي حيث كان كشفاً حقيقيّاً ولا إبهام فيه، فلابدّ من أن تكون علّته تامّة لتنجّز التكليف، ولازم ذلك هو وجوب الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة القطعيّة كالعلم التفصيلي، خلافاً لبعض ـ كما نُسبَ ذلك إلى المحقّق القمّي والخوانساري، إن كانت النسبة صحيحة ـ من الالتزام بأنّ العلم الإجمالي مقتضٍ للتنجيز لولا وجود مانعٍ عقليّ أو شرعي عن تنجّزه، فلازمه عدم وجوب الموافقة القطعيّة ولاحرمه‌المخالفه‌القطعيّة،بلافرقٍ‌بين‌كون‌الشبهه‌محصوره‌أو غيرمحصورة.

وخلافاً لطائفة ثالثة من القول بالتفصيل بين الموافقة القطعيّة لعدم وجوبها، والمخالفة القطعيّة بحرمتهما، حيث يقولون بالاقتضاء في الاُولى والعليّة في الثانية، كما نُسب ذلك إلى ظهور بعض كلمات الشيخ رحمه‌الله من تجويز جريان الاُصول في بعض الأطراف، وجعل الآخر بدلاً عن الحكم الواقعي، بل قد مالَ إليه المحقّق الحائري أوّلاً ثمّ عدل عنه كما في «حاشيته على الدرر».

أقول: الحقّ هو العليّة كما عليه الأكثر منهم المحقّق النائيني،والعراقي، والإصفهاني،والخميني،والحكيم،والعلاّمة الطباطبائي رحمهم الله تعالى وغيرهم، كما يظهر عند المراجعة إلى كلماتهم في المقام، وفي باب العلم الإجمالي من القطع، فإذا التزمنا بالعلّية فلازمها وجوب الموافقة القطعيّة، وحرمة المخالفة القطعيّة. والسرّ في ذلك كما ذكره المحقّقون ـ ونِعمَ ما قالوا ـ هو:

أنّ الإنسان إذا حصل له العلم الوجداني على التكليف، ولا يحتمل الخلاف بالتكليف الفعلي الذي لا يرضى المولى بتركه، فلا يشكّ حينئذٍ في وجوب الموافقة وحرمة المخالفة القطعيّة قطعيّها ومحتملها، ولا مجال للبحث عن جواز الترخيص في بعضها أو جميعها، كانت الشبهة محصورة أو غير محصورة، لا لأجل كون القطع منجّزاً، إذ الموافقة واجبة والمخالفة محرّمة، بل لأجل لزوم اجتماع النقيضين قطعاً أو احتمالاً، وهو محالٌ، ضرورة أنّ القطع بالإرادة الإلزاميّة لا يجتمعُ مع احتمال الترخيص، فضلاً عن القطع به، إذ لا معنى بأن يكون الشيء مطلوباً فعله أو تركه للمولى مع الترخيص في تركه أو إتيانه ولو بصورة الاحتمال في الانطباق مثل الشبهات الغير المحصورة.

وهذا القدر من الإشارة إلى الموضوع يتناسب مع المقام، والتفصيل في باب القطع، فراجع.

الأمر الثاني: فيما يناسب بحثه في باب الاشتغال، هو البحث عن إمكان جريان الاُصول في أطراف العلم الإجمالي وعدمه، سواءً أكانت الشبهة محصورة أو غير محصورة، وسواءً كان المورد هو الفردين المتباينين أو الأقلّ والأكثر، وهذا البحث إنّما يكون فيما إذا علمنا بحرمة شيء أو وجوبه لا بعلمٍ وجداني، بل بشمول إطلاق دليل أو عمومه على المورد، كما إذا قال المولى: (لا تشرب الخمر)، وشمل بإطلاقه الخمر المردّد بين الإنائين حيث يقع البحث عن أنـّه هل يمكن الترخيص بأدلّة الاُصول بتقييد إطلاق الدليل أو تخصيصه بغير مورد المردّد أم لا ؟

ومثله ما إذا علم إجمالاً بقيام حجّة معتبرة على هذا الموضوع أو ذاك، كما إذا علم‌بقيام‌أمارهٍ‌معتبرة إمّا بوجوب صلاه‌الظهر أو الجمعة،وأمثال‌ذلك‌من‌المتباينين.

بل قد ينقسم هذا القسم إلى قسمين آخرين:

أحدهما: ما لو علم المكلّف بعلمٍ جزمي بأنّ التكليف الواقعي ـ على فرض تحقّقه ـ فعليّ لا يرضى المولى بتركه، يعني لو تصادفت الأمارة للواقع ولو محتملاً لايكون تركه مرضيّاً للمولى،فكيف يمكن جعل‌الترخيص مع وجود مثل هذا العلم بفعليّة التكليف على فرض المصادفة، فمثل هذا الفرض خارج عن مجال البحث.

وثانيها: هو العلم بالتكليف، ولكن يحتمل كونه كذلك، أي لا يرضى بتركه، كما ويحتمل مزاحمته لما هو أقوى ملاكاً، فيرفع اليد عنه في مقام التزاحم، فعلى فرض التصادف ليس له علماً فعليّاً ولا تقديريّاً بعدم رضاه تركه، بل يحتمل فعليّة الواقع، ويحتمل عدمه بعد قيام الحجّة المعتبرة عليه، من إطلاق دليلٍ أو عمومه، فحينئذٍ يقع البحث في أنـّه إذا وجدت حجّة أقوى من ذلك الإطلاق والعموم كأدلّة الاُصول، هل يمكن رفع اليد عن الإطلاق مثلاً ليكون من قبيل دفع الحجّة بالحجّة أم لا؟ فهذا هو محطّ البحث هنا .