95/10/25
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: قاعدة الاشتغال
المبحث الثالث: من أبواب المقصد التاسع، والمنعقد في الشكّ وما له من الأحكام، هو البحث عن الاشتغال الذي يعدّ مورده الشكّ في المكلّف به .
أقول: قد عرفت في المباحث السابقة أنّ الشكّ :
1 ـ إن تعلّق بأصل التكليف كان البحث فيه من البراءة، وإن كان متعلّقاً بمتعلّق التكليف، أي كان أصل التكليف ثابتاً إلاّ أنّ مركز تعلّقه غير معلوم ـ بلا فرقٍ بين كون أصل جنس التكليف معلوماً دون فصله، أي لا يعلم نوعه مثل ما لو علم أصل الإلزام، إلاّ أنـّه لا يعلم هل هو يكون مع المنع من الترك حتّى يصير واجباً، أو مع المنع من الفعل حتّى يصير حراماً، أو كان أصل التكليف جنساً وفصلاً معلوماً ولكن المتعلّق غير معلوم، مثل ما لو علم الوجوب إلاّ أنـّه لا يعلم تعلّقه بالجمعة أو بالظهر ـ وكيف كان، إن كان أصل التكليف معلوماً والمتعلّق مشكوكاً، والمكلّف عاجزٌ عن تحصيل الاحتياط فيه بالموافقة القطعيّة ولا المخالفة القطعيّة، فهي أصالة التخيير، ودوران الأمر بين المحذورين الذي قد مضى بحثه مع تمام صوره المتصوّرة فيه من وحدة الواقعة وتعدّدها.
2 ـ وأمّا إن كان أصل التكليف معلوماً بجنسه وفصله أو بجنسه فقط، ولكن المتعلّق كان مشكوكاً، وكان تحصيل الموافقة القطعيّة أو المخالفة القطعيّة ممكناً، فهذا هو المبحث الذي بين يديك، والمُسمّى بقاعدة الاشتغال أو أصل الاشتغال، ومورد هذا الشكّ :
تارةً: يكون في الفردين المردّدين المتباينين، بحيث لا يكون في البين قدرٌ متيقّنٌ مثل الشكّ في أنّ الواجب هل هي صلاة الجمعة أو الظهر؟
واُخرى: يكون في البين قدراً متيقّناً.
والثاني أيضاً على قسمين، لأنـّه :
1 ـ قد يكونان مرتبطين كالشكّ في الصلاة بأنّها هل هي تسعة أجزاء أو عشرة، وهو المُسمّى بالأقلّ والأكثر الارتباطي.
2 ـ وقد لا يكونان كذلك، كالأقلّ والأكثر الاستقلاليّين، مثل الدَّين إذا تردّد بين كونه عشرة دراهم أو عشرين، حيث أنّ إعطاء العشرة أيضاً مبرءٌ للذمّة مستقلاًّ ولو لم يعط العشرة الاُخرى، وهذا القسم هو المسمّى بالأقلّ والأكثر الاستقلالي.
ثمّ على كلّ هذه التقادير، قد يكون التكليف المشكوك متعلّقه هو الوجوب تارةً، والتحريم اُخرى ، أي تكون الشبهة وجوبيّة أو تحريميّة.
ثمّ إنّ منشأ الشبهة أيضاً قد يكون :
تارةً: من جهة فقدان النص .
واُخرى: من جهة إجمال النصّ.
وثالثةً: من جهة تعارض النصّين.
فهذه الثلاثة تتكوّن منها الشبهة حكميّة.
ورابعةً: قد يكون الشكّ والشبهة من جهة الإخلال في الموضوع والمصداق الخارجي، فتكون الشبهة موضوعيّة.
وأمّا حكم الشكّ في المحصِّل والمحصَّل: فإنّه وإن كان من الشكّ في المكلّف به، إلاّ أنّ له بابٌ مستقلٌّ برأسه، وحيث كان أكثر مباحث هذه الوجوه الأربعة متّحدة مع ما ذكرناها في باب البراءة، لذلك ترى أنّ المتأخّرين بعد الشيخ الأنصاري قدسسرهأهملوها ولم يتعرّضوا لها إلاّ على نحو الإجمال والإشارة، وإنّما اهتمّوا بالبحث عن نفس الشكّ في المكلّف به،