95/10/14
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: دوران الأمر بين المحذورين مع تعدّد الواقعة
المقام السادس: ويدور البحث فيه عن دوران الأمر بين المحذورين مع تعدّد الواقعة، واحتمال المكلّف أهمّية أحد الحكمين، فالسؤال حينئذٍ عن أنـّه هل يتقدّم ذلك على الآخر، كما لو احتمل الوجوب أهمّاً، فحينئذٍ هل يجب الإتيان بكليهما كما لو احتمل الأهمّية في الحرمة بتركهما ، أو لا يتقدّم بل يكون مخيّراً في ذلك كالمتساويين؟
فيه وجهان، بل قولان.
ذهب إلى الأوّل المحقّقالنائيني في دوران الأمر بين شرطيّة شيء ومانعيّته، بتقديم محتمل الأهمّية، وذكر في وجهه على ما في «مصباح الاُصول» :
(أنّ كلّ تكليفٍ واصل إلى المكلّف يقتضي أمرين لزوم الامتثال وإحرازه، وعليه فالواجب المعلوم بالإجمال في المقام كما يقتضي إيجاد متعلّقه، كذلك يقتضي إحراز الإيجاد بإتيان كلا الفعلين، وكذلك الحرمة يقتضي هذين، فلابدّ من تركهما، وهذان الحكمان وإن لم يكن بينهما تزاحمٌ من ناحية أصل الامتثال،لتغاير متعلّقي الوجوب والحرمة، وتمكّن المكلّف من إيجاد الواجب وترك الحرام، إلاّ أنّهما متزاحمان من ناحية إحراز الامتثال، لأنـّه يقتضي الإتيان بكلا الفعلين، وترك كلا الفعلين قضيّةٌ للوجوب والحرمة، فلا يمكنه إحراز امتثالهما معاً، وقد عرفت أيضاً أنّ إحراز الامتثال من مقتضيات التكليف بحكم العقل، فكما أنّ عدم القدرة على الجمع بين ما يقتضيه الوجوب من الفعل وما تقتضيه الحرمة من الترك يوجبُ التزاحم بينهما، كذلك عدم القدرة على الجمع بين ما يقتضيه كلّ منهما من إحراز الامتثال يوجبُ التزاحم بينهما أيضاً)، انتهى كلامه في «المصباح» نقلاً عن اُستاذه النائيني رحمهالله .
خلافاً للمحقّق الخوئي، حيث ذهب إلى الثاني، وأورد عليه :
أوّلاً بالنقض: بصورة المتساويين مع احتمال الأهمّية في أحدهما، فإنّ لازم كونهما متزاحمين هو الحكم بالتخيير بين فعلهما وتركهما، مع أنـّه لم يلتزم بذلك بل ذهب إلى لزوم الأخذ بالإتيان في أحدهما والترك للآخر، حذراً من المخالفة القطعيّة في أحد التكليفين.
أقول: إنّ أصل الإشكال من جريان هذا التزاحم في الامتثال وإحرازه كليهما في المتساويين في واقعة واحدة بخلاف المتعدّد في الواقعة، حيث يكون التزاحم في الإحراز دون الامتثال، وكون مقتضى التزاحم في المتساويين هو التخيير صحيحٌ كما التزمنا به، ولعلّ وجه التقديم في الحكم بالإتيان في أحدهما والترك في الآخر كان من جهة الرجحان الذي استفدناه من دليل العقل والعقلاء، لكنّه لا يصل إلى حدّ الإلزام، فهذا الإشكال لا يلزمنا القول بعدم لزوم تقديم محتمل الأهمّية، مضافاً إلى أنّ ما ذكره ونقله عن اُستاذه ليس فيه ما يدلّ على تقديم محتمل الأهمّية، إلاّ أن يريد بأنـّه يُقدَّم لتحصيل إحراز الامتثال في حقّه.