درس خارج اصول استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

95/10/13

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: حكم دوران الأمر بين الشرطيّة والمانعيّة

 

إن سلّمنا كون المثال للتعدّد في العرضي بلحاظ مقام الإيجاب دون الامتثال، وإلاّ لكان‌المثال طوليّاً،فإنْ التزمنا بجواز تنجيز العلم الإجمالي فيالتدريجيّات، أي ما لايمكن تحقّقه خارجاً معاً،بل يتحقّق تدريجاً مثل الوطي في المثال المفروض، فلا يجوز له الإتيان بهما معاً، لأنـّه يوجب حصول المخالفة القطعيّة، لكنّه يعارضه وجوب الموافقة القطعيّة، بأن لا يأتي بهما، حيث يقطع بحصول الموافقة القطعيّة في ما جامعهما معاً، فلازم التدافع بين الحكمين المنجّزين هو تساقطهما، ولازم ذلك جريان البراءة في كلّ واحدٍ من الطرفين، ولازمه الحكم بالتخيير في الفعل والترك لأيـّهما شاء، وإن لم نلتزم بجواز تنجّز العلم الإجمالي في التدريجيّات، فالحكم بالتخيير في كلّ منهما أوضح، لدوران أمر كلّ واحدٍ منهما بين الوجوب والحرمة.

نعم، لا يبعد الحكم برجحان تحصيل الموافقة الاحتماليّة والمخالفة كذلك، وعلى تحصيل الموافقة القطعيّة والمخالفة كذلك عند العقل والعقلاء، فيؤخذ بأحدهما ويُترك الآخر، بل لا يبعد القول بذلك في أصل المطلب استدراكه في الآخر فيما لو أمكن تحصيل الموافقة والمخالفة القطعيّة دفعيّاً، كما لو حلف بشرب ماء وتركه للآخر، ثمّ اشتبه الإنائين، حيث يمكن للمكلّف شربهما معاً دفعةً، ويجري فيه ما يجري في التدريجي، برغم أنّ الأرجح هو شرب أحدهما وترك الآخر تحصيلاً للموافقة الاحتماليّة بل المخالفة كذلك، وحذراً عن المخالفة القطعيّة ولو كان مع الموافقة القطعيّة.

وبالجملة: ظهر ممّا ذكرنا وجه فساد كلامه قدس‌سره حيث قال: (ولكن يمكن مخالفتها القطعيّة بإيجاد الفعلين أو تركهما).

وجه الفساد: أنّ هذا المقدار يمكن فيه تحصيل الموافقة القطعيّة إذا أتى بهما أو تركهما، وحينئذٍ لا يبقى فرق بينه وبين ما قاله في الموافقة القطعيّة بعدم الإمكان والمخالفة بالإمكان، فكما لا يمكن له الامتثال في كليهما، كذلك لا يمكنه المخالفة في كليهما، فتدبّر حتّى لا يشتبه عليك الأمر؛ لأنّ الإمكان وعدمه إن فرض في كلّ واحدٍ واحد منهما، فلا يمكن فرض تحقّقه في كليهما، وإن فرض ولوحظ معاً فكلاهما ممكن الحصول ويحصل، كما لا يخفى.

وأمّا القسم الثاني: وهو ما يكون طوليّاً، مثل ما إذا علم بتعلّق الحلف بإيجاد فعلٍ في زمانٍ وبتركه في زمان آخر، كما لو علم بالحلف على الوطي في وقتٍ وتركه في آخر، ولكن لا يعلم أيّهما يكون في يوم الجمعة والآخر في السبت، أو مثل ما لو لم يعلم أنـّه حَلف بالوطي في كلّ ليلة جمعة، أو حلف بتركه كذلك، حيث يمكن وقوع الفعل والترك في زمانٍ دون زمانٍ آخر، قال المحقّق الخوئي رحمه‌الله في «مصباح الاُصول»:

(فقد يُقال بالتخيير بين الفعل والترك في كلٍّ من الزمانين، إذ كلّ واقعة مستقلّة دار الأمر فيها بين الوجوب والحرمة، ولا يمكن فيها الموافقة القطعيّة ولا المخالفة القطعيّة، ولا وجه لضمّ الوقائع بعضها إلى بعض، بل لابدّ من ملاحظة كلّ منها مستقلاًّ، وهو لايقتضي إلاّ التخيير،فللمكلّف‌اختيار الفعل في كلّ من‌الزمانين، واختيار الترك في كلّ منهما، واختيار الفعل في أحدهما والترك في الآخر.

والتحقيق أن يُقال: إنّه إن قلنا بتنجيز العلم الإجمالي في الاُمور التدريجيّة كغيرها، فلا يفرّق بين القسمين المذكورين، لاتّحاد الملاك فيهما حينئذٍ، وعليه فالعلم الإجمالي منجّزٌ بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعيّة، فاللاّزم اختيار الفعل في أحد الزمانين، واختيار الترك في الآخر، حذراً من المخالفة القطعيّة، وتحصيلاً للموافقة الاحتماليّة.

وإن قلنا بعدم تنجيز العلم الإجمالي في التدريجيّات، فيحكم بالتخيير بين الفعل والترك في كلّ زمان، إذ لم يبق سوى العلم الإجمالي بالالتزام المردّد بين الوجوب والحرمة في كلّ من الزمانين، وقد عرفت أنّ مثل هذا العلم لا يوجب التنجيز لعدم إمكان الموافقة القطعيّة ولا المخالفة القطعيّة، فيخيّر المكلّف بين الفعل والترك في كلّ من الزمانين)، انتهى كلامه [1] .

أقول: قد عرفت من جوابنا في القسم الأوّل، الجواب عن هذا القسم، لأنـّه:

إن جعلنا العلم الإجمالي منجّزاً في التدريجيّات، حتّى في مقام الامتثال، فضلاً عن التدريجي في مقام الالتزام، فلازم ملاحظة حاله في كلّ واحدٍ واحد، هو عدم القدرة لكلّ من الموافقة والمخالفة القطعيّة، بل المقدور حصول إحداهما، وأنّ الحكم حينئذٍ يكون هو التخيير بين فعلهما أو تركهما أو الفعل لأحدهما والترك للآخر، قد عرفت أنـّه أرجح عقلاً وعقلائيّاً.

وإن لوحظ كلّ واحدٍ مع الآخر، فحينئذٍ كما له القدرة على المخالفة القطعيّة بفعلهما أو تركهما معاً، كذلك له القدرة على تحصيل الموافقة القطعيّة بذلك، فكما كانت‌الاُولى_'feمحرّمة فكذلك تكون‌الثانيه‌واجبة،فلازم تدافع‌الحكمين هو التساقط، فالمرجع إلى أصل البراءة عقلاً وشرعاً، فيحكم بالتخيير بين الثلاث، وإن كان الأرجح عند العقل والعقلاء هو اختيار الفعل في أحدهما والترك للآخر كما عرفت.

وإن لم نقل بتنجيز العلم الإجمالي في التدريجيّات، كما في الدفعيّات، فالحكم من أوّل الأمر يكون تخييريّاً، لعدم وجود علم يحكم بوجوب الموافقة القطعيّة أو حرمة المخالفة القطعيّة.

 


[1] مصباح الاُصول: ج / 340.