95/10/01
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: البحث عن دوران الأمر بين المحذورين مع وجود المزيّة في أحدهما
وعلى كلّ حال، فهل المزية تقتضي :
1 ـ تعيّن الأخذ بصاحبها مطلقاً؛ أي سواءً كانت الأقوائيّهمنحيثالاحتمال أو المحتمل.
2 ـ أو لا يوجب تعيّن الأخذ بصاحبها مطلقاً.
3 ـ أو يجبالتفصيلبينالاحتمال بالأخذ متعيّناً دون المحتمل أو بالعكس؟ وجوهٌ وأقوال:
أقول: اختار المحقّق النائيني رحمهالله الشقّ الثاني خلافاً للمحقّق الخراساني صاحب «الكفاية» حيث ذهب إلى اختيار الشقّ الأوّل على حسب مبناه، فلا بأس بذكر كلام المحقّق الأوّل في فوائده فإنّه بعدما ذكر المحتملات، قال:
(ربّما يتوهّم أنّ المزية تقتضي تعيّن الأخذ بصاحبها؛ لأنّ المقام يكون من صغريات دوران الأمر بين التعيين والتخيير، وقد تقدّم أنّ الأصل يقتضي التعيينيّة، وأنت خبير بما فيه، فإنّ ما تقدّم من اقتضاء الأصل التعيّنيّة عند الشكّ في التعيين والتخيير، إنّما كان لأجل العلم بالخطاب والتكليف الشرعي الذي يلزم امتثاله، وكان مرجع الشكّ فيها إلى الشكّ في الامتثال والسقوط، وأين هذا ممّا نحن فيه، فإنّ التخيير في دوران الأمر بين المحذورين ليس لاقتضاء الخطاب ذلك، بل إنّما هو من التخيير العقلي التكويني كما تقدّم، فإذا لم يكن في البين خطابٌ شرعيّ يكون المكلّف ملزماً بإتيانه، وكان وجود العلم الإجمالي كعدمه لا أثر له ولا يقتضي التنجيز، فوجود المزيّة أيضاً كعدمها، فإنّ المزيّة إنّما توجب الأخذ بصاحبها بعد الفراغ من تنجّز التكليف بلزوم رعايته وامتثاله، والتكليف في دوران الأمر بين المحذورين غير لازم الرعاية)، انتهى محلّ الحاجة[1] .
أمّا المحقّق الخوئي: فقد تبع شيخهالمحقّقالنائيني وعلّل ذلك بحسب مسلكه من إمكان جريان الاُصول النافية في موارد دوران الأمر بين المحذورين بقوله:
(ثمّ إنّه بناءً على ما اخترناه من جريان الاُصول النافية في موارد دوران الأمر بين المحذورين؛ لا فرق بين أنيكون أحد الحكمين محتملالأهمّية وعدمه؛ لأنّ كلاًّ من الحكمين المجهولين مورد لأصالة البراءة، ومأمونٌ من العقاب على مخالفته، سواءٌ كان أحدهما على تقدير ثبوته في الواقع أهمّ من الآخر أم لم يكن).
بل وافق مبنى اُستاذه النائيني في المقام حتى على فرض قبول التخيير العقلي الذي كان مبنى اُستاذه بأنّ مقتضى الدليل هنا هو القول بالتخيير أيضاً ـ لا التعيين كما عليه صاحب «الكفاية» ـ نظير ما اختاره من الحكم بالتعيين عند دوران الأمر بين التعيين والتخيير في باب المتزاحمين، وذكر في وجه الفرق بين ما نحن فيه وبين المتزاحمين :
(أنّ التزاحم هناك قد يكون بحسب إطلاق كلّ من الخطابين، لشمول إطلاق كلّ منهما لحال الإتيان بالآخر، والمفروض أنـّه لا يقدر على الجمع بينهما، لعدم القدرة عليه، فلا مناص من سقوط أحد الإطلاقين، فإذا كان في البين أهمّ فالساقط يكون غيره، فلابدّ من الأخذ بمحتمل الأهمّية، بل وهكذا لو احتمل الأهمّية في أحدهما المعيّن، وإن لم يكن كذلك وكان مساوياً، أو كلاهما محتمل الأهمّية، فلابدّ من تساقط الإطلاقين لبطلان الترجيح بلا مرجّح.
هذا إذا كان في البين إطلاق في الخطابين.
وأمّا إذا لم يكن لشيءٍ منهما إطلاق، وكان كلّ من الحكمين ثابتاً بإجماعٍ ونحوه، فالوجه في تقديم محتمل الأهمّية هو كاشفيّة الحكم عن اشتمال متعلّقه على الملاك الملزم، وحيث كان المكلّف عاجزاً عن استيفائهما، فلابدّ من الأخذ بأحدهما، فإذا كان أحدهما المعيّن محتمل الأهمّية، لا يجوز تركه والأخذ بالآخر، وإن كان كلٌّ منهما محتملُ الأهمّية، فالحكم هو التخيير.
وأين هذا مثل المقام الذي لا إطلاق لخطابهما، ولا في البين ملاكان؛ لأنّ المفروض أنّ الحكم المجعول مردّدٌ بين الوجوب والحرمة، ونسبة العلم الإجمالي إليهما على حدٍّ سواء، والحكم العقلي بالتخيير كان بمعنى اللاّ حرجيّة الناشئ من استحالة الجمع بين النقيضين باقٍ بحاله.
وإن شئت قلت: إنّ الأهمّية المحتملة في المقام تقديريّة، إذ لم يعلم ثبت أحد الحكمين بخصوصه، وإنّما المعلوم ثبوت الإلزام في الجملة، غاية الأمر أنـّه لو كان الإلزام في ضمن أحدهما المعيّن احتمل أهمّيته) انتهى ملخّص كلامه[2] .
أقول: إنّ مبنى المحقّق النائيني رحمهالله من القوّة بحيث التزم به المحقّق الاصفهاني رحمهاللهفي «نهاية الدراية» وتلميذيهما المحقّق الخوئي في «مصباح الاُصول» ـ كما سبق آنفاً ـ والحكيم رحمهالله في «حقائق الاُصول».