95/09/28
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: البحث عن دوران الأمر بين المحذورين في التوصّليّات
فلا يتوهّم الماقضة بين جريان البراءة في كلٍّ من الفعل والترك للتكليف المعلوم في البين، كما كانت في أصالة الإباحة على ما قيل، وذلك لأنّ مجرى أصالة البراءة الشكّ في نوع التكليف المتعلّق بالفعل، وكان نوع التكليف المتعلّق مشكوكاً، ولذا كان كلّ من الوجوب والحرمة بحاجة إلى براءة يخصّه، ولا تُغني جريان أصالة البراءة في أحدهما عن جريانها في الآخر، فلا يكون مفادها مناقضاً للمعلوم بالإجمال، وإن كان يلزم من الجمع بين البرائتين نفي الإلزام المعلوم في البين، وذلك أيضاً لا يمنع من جريانها، لأنـّه لا يلزم من الجمع بين البرائتين مخالفة عمليّة للالتزام المعلوم، فإنّ المكلّف على كلّ حال لا يخلو إمّا من الفعل أو الترك.
وعليه، فالمانع عن جريانها ليس إلاّ ما عرفت .
بل أضاف المورد على البراءة بأنّ إجراء الاستصحاب بعدم الوجوب أو الحرمة أيضاً يكون كالبراءة من هذه الناحية، أي الجهل بخصوص نوع التكليف المتعلّق بالفعل، بمعنى أنـّه حاصل هنا كالبراءة، فلا يكون مؤدّاه من هذه الجهة مضادّاً للمعلوم بالإجمال كالبراءة، وكذا من جهة المخالفة العلميّة أيضاً لا مانع عن جريانه كالبراءة، لما قد عرفت من عدم خلوّ المكلّف عن الفعل أو الترك .
إلاّ أنّ المانع في الاستصحاب يكون من جهة اُخرى، وهو أنـّه لو اعتبرناه من الاُصول التنزيليّة المحرزة للواقع، لكان الالتزام بمفادها منافياً مع الالتزام بجنس التكليف المعلوم في البين؛ لأنّ البناء على عدم الوجوب واقعاً، وإلغاء الشكّ، وجعل أحد طرفيه هو الواقع، لا يجتمع مع البناء والالتزام بأنّ الحكم المجعول في الواقع غير ذلك .
وبعبارة اُخرى: إنّ البناء على مؤدّى الاستصحابين ينافي الموافقة الالتزاميّة، فإنّ التديّن والتصديق بأنّ للّه تعالى في هذه الواقعة حكماً إلزاميّاً إمّا الوجوب أو الحرمة، لا يجتمع مع البناء على عدم الوجوب والحرمة واقعاً.
فتحصّل: أنّ شيئاً من الاُصول العلميّة العقليّة والشرعيّة لا تجري في باب دوران الأمر بين المحذورين؛ يعني لا موقع لجعل وظيفة عقليّة أو شرعيّة فيه، بل المكلّف بحسب خلقته التكوينيّة مخيّرٌ بين الفعل والترك، وهذا التخيير ليس بحكم شرعي أو عقلي واقعي أو ظاهري). انتهى كلامه بتقريرٍ منّا في بعض مواضعه[1] .