95/09/24
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: البحث عن دوران الأمر بين المحذورين في التوصّليّات
أقول: ولقد أجاد قدسسره فيما أفاد من الإشكالين الأخيرين على المحقّق النائيني، فالأولى حينئذٍ الرجوع إلى أصل المطلب، ببيان ما يرد على مختار صاحب الكفاية.
فأوّل ما يرد عليه: هو ما ذكره المحقّقين المزبورين من اختصاص دليل أصالة الحليّة لخصوص مورد مشتبه الحرمة والحليّة، فلا يشمل مورد الدوران؛ لأنّ ظاهر دليله هو وجود الشكّ فيه، وفي مثل الدوران ليس فيه شكٌّ بالنسبة إلى أصل التكليف لعلمه بجنسه. نعم فيه شكٌّ في الخصوصيّة، حيث لا يعلم أنـّه مكلّفٌ بالحرمة أو الوجوب، والشكّّ فيه لا يقتضي حكماً خاصّاً، لدوران أمره تكويناً بين الفعل والترك، لأنـّه إمّا فاعلٌ أو تارك، فلا أثر للحكم به شرعاً بالترخيص، فإثبات الدليل الشرعي للإباحة الظاهريّة مشكلٌ جدّاً .
وأمّا القول الرابع: فبجريان البراءة شرعاً وعقلاً، لعموم أدلّة البراءة الشرعيّة، وعدم ثبوت مايمنع عن شمولها،ولحكمالعقل بقبحالعقاب على_'feخصوص الوجوب أو الحرمة، للجهل به الموجب لصدق عدم البيان، هذا هو مختار السيّد الخوئي قدسسره.
ولكن أورد عليه: بعدم إمكان جريان البراءة العقليّة هنا، لأنّ مدركها قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وفي باب دوران الأمر بين المحذورين يقطع المكلّف بعدم العقاب؛ لأنّ وجود العلم الإجمالي كعدمه، حيث لا يقتضي التنجيز والتأثير، لأنـّه بحسب حكم التكوين والاضطرار محكومٌ بالتخيير بين الفعل والترك، فالعلم الإجمالي يسقط عن التأثير في الرتبة السابقة عن الحكم بقبح العقاب بلا بيان، بواسطة عدم إمكان الموافقة القطعيّة ولا مخالفتها، والاحتمالي منهما بنفسه حاصلٌ، وفي نفس هذه المرتبة يَحكم العقل بالتخيير، فحكم العقل بالتخيير مع سقوط العلم الإجمالي عن التأثير يكون في رتبة واحدة.
ولا شكّ في تأخّر البراءة عن سقوط العلم الإجمالي عن التأثير ، لأنـّه ما لم يسقط عن التأثير لا تصل النوبة إلى البراءة، فقهراً يكون وصول النوبة إلى البراءة متأخّراً عن حكم العقل بالتخيير، ومع حكمه كذلك وكونه معذراً لا يبقى مجالٌ للبراءة.
هذا كلّه بالنسبة إلى البراءة العقليّة.
وأمّا البراءة الشرعيّة: فهي أيضاً غير جارية :
أوّلاً: بما عرفت في البراءة العقليّة من سقوط العلم الإجمالي عن التأثير قبل البراءة، والمسقِط له هو الاضطرار إلى التخيير، فلا تصل النوبة إلى جريان حديث رفع والبراءة الشرعيّة .
وثانياً: بأنـّه لا امتنان في رفع الحرمة والوجوب المجهولين، بل يكون مثل هذا الحكم والجعل لغواً محضاً.
وثالثاً: فلأنّ مدركها قوله صلىاللهعليهوآله: «رفع عن اُمّتي ما لا يعلمون»، والرفع فرع إمكان الوضع، وفي موارد دوران الأمر بين المحذورين لا يمكن وضع الوجوب والحرمة كليهما، لا على سبيل التعيين ولا على سبيل التخيير، ومع عدم إمكان الوضع، لا يعقل تعلّق الرفع، فأدلّة البراءة الشرعيّة لا تعمّ المقام أيضاً .