95/08/22
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: لزوم مراعاة الاحتياط في الشبهات
أمّا المحقّق الخوئي: فالمستفاد من ظاهر كلامه هو القول بالبراءة في القسم الأوّل منهما؛ باعتبار أنـّه شكّ في شمول التكليف الضمني له وتعلّقه به، فالمرجع حينئذٍ هو البراءة إذ لا اختصاص لها بالتكاليف الاستقلاليّة، بناءً على ما ذكره في محلّه من جريان البراءة عند الشكّ في الأقلّ والأكثر الارتباطيين.
والظاهر عدم الفرق في جريان البراءة في المشتبه بين أن يكون مشتبه الفرد في التكليف المتعدّد بتعدّد الأفراد، أو المشتبه بوجود التكليف بتكليفٍ واحدٍ، كالصوت المشكوك كونه جهراً، فلا يحتاج في الحكم بالجواز فيه إلى إجراء استصحاب تركه السابق، بل شمول دليل الحرمة لمثله غير معلوم، فتجري فيه قاعدة قبح العقاب بلا بيان وحديث الرفع بالبراءة الشرعيّة .
كما تجري البراءة في القسم الثالث الذي فرضه سيّدنا الخوئي وهو ما لو كان المجموع منهيّاً عنه، لا بعض المركّب، كما لو كان توجّه النهي عن شرب معجونٍ مركّب من عشرة أجزاء، فإنّه لو ترك جزءاً من العشرة لم يعد تاركاً للشرب قطعاً، فحينئذٍ لو شكّ في جزءٍ من العشرة هل هو من الأجزاء التي لو انضمّت صار محرّماً أم لا، فمرجع شكّه إلى الشكّ في أصل تعلّق التكليف به، فتجري فيه البراءة، إذ لا فرق في الشكّ في التكليف بينه وبين ما لو شكّ في فردٍ أنـّه خمرٌ أم لا، فجريان البراءة فيه أيضاً واضح.
وأمّا القسم الرابع: وهو ما لو تعلّق النهي بجميع الأفراد الخارجيّة، باعتبار أنّ المطلوب أمرٌ بسيط متحصّل من مجموع التروك، وقد مثّل المحقّق الخوئي رحمهاللهلهذا القسم بمثال النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه، حيث أنّ المقصود منه هو وقوع الصلاة في غير ما لا يؤكل، فذهب إلى أنّ الشكّ في كون شيء مصداقاً للموضوع، هو الاشتغال، وعدم جواز ارتكاب المشكوك كونه فرداً له، لأنّ مرجع الشكّ فيه إلى الشكّ في المحصّل بعدم العلم بثبوت التكليف .
ثمّ قال: نعم كان الأمر البسيط حاصلاً سابقاً، فمع ارتكاب الفرد المشكوك يجري استصحاب بقاء هذا الأمر، فيكون الامتثال حاصلاً بالتعبّد الشرعي.
أقول: لا يخلو ما ذكره رحمهالله عن إشكال، لوضوح أنّ الأصل في الشكّ في وجود المانع في شيء هو عدمه، كما هو الأصل في جميع الموارد، وكون المسألة داخلة تحت الشكّ في المحصِّل والمحصَّل حتّى يلزم منه الحكم بلزوم الاجتناب عن المشكوك، غير معلوم وإن كان الاحتياط فيه لا يخلو من وجه .
ومن ذلك يظهر حكم المشكوك في الشبهة الوجوبيّة، مثل ما لو تردّد في أنّ ما فاته هو أربع صلوات أو خمس، فتجري البراءة عن الخمس، وما ذهب إليه المشهور ـ على حسب ما نَسب إليهم النائيني قدسسره، بل قد اختاره في الدورة السابقة من الاُصول توجيهاً لهم ـ مبنيٌّ على حصول العلم الإجمالي بالتكليف للمكلّف في الوقت بدواً ثمّ فوّت الصلاة، ممّا يعني ذلك ثبوت أصالة الاشتغال.
نعم، قلّ ما يتّفق بأن لم ينجز له التكليف في الوقت، لأجل كونه في تمام الوقت نائماً أو مغماً عليه، فحينئذٍ لا وجه للحكم بالاشتغال.
هذا، ولكنّه رحمهالله تراجع عن هذا المبنى في الدورة اللاّحقة مستدلاًّ على دعواه بأنّ الملاك في التكليف هو الواصل إليه لا بوجوده الواقعي، وهو غير معلوم، فيجري فيه البراءة كما عليه أكثر المتأخّرين، وهو الحقّ .
هذا تمام الكلام في البحث عن البراءة، وما ارتبط بها من البحوث.