درس خارج اصول استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

95/08/09

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: صور الشكّ في التعيين والتخيير

 

القسم الثاني: وهو أن يعلم بتعلّق التكليف بكلٍّ من العِتق والصيام، ولكن يُشكّ في أنّ كلاًّ منهما واجب عيناً لا يقوم أحدهما مقام الآخر، أو أنّهما واجبان تخييراً يسقط كلّ منهما بفعل الآخر، فيكون كلّ واحدٍ منهما عِدْلاً للآخر.

ويظهر من المحقّق النائيني جريان قاعدة الاشتغال هنا، حيث قال:

(إنّ المرجع في الشكّ في التعيين والتخيير قاعدة الاشتغال، لرجوع الشكّ فيها إلى الشكّ في سقوط ما علم تعلّق التكليف به بفعل ما يحتمل كونه عِدْلاً له، من غير فرقٍ بين أن يكون الشكّ فيها على الوجه الثاني [وهو الذي ذكره فيما سبق]، أو على الوجه الثالث، وهو ما إذا علم بتعلّق الطلب به أيضاً، وكان الشكّ في مجرّد كونه عِدْلاً له، فإنّ الشكّ في كلّ من الوجهين يرجع إلى الشكّ في الامتثال والسقوط، غايته أنـّه في الوجه الثاني الشكّ إنّما يكون في مسقطيّة خصوص مشكوك الوجوب عن مقطوعه، وفي الثالث يكون الشكّ في مسقطيّة كلّ منهما عن الآخر.. إلى آخره)[1] .

فمقتضى ظاهر كلامه هو الإتيان بكلّ من العتق والصيام، جواباً للتكليف المتعلّق بهما في الفرض المزبور، والإتيان بخصوص العتق فيما سبق كما لا يخفى لمن تأمّل كلامه في الموردين.

هذا، خلافاً للمحقّق العراقي رحمه‌الله حيث قال فيها بأنـّه :

(لا يجري فيها العلم الإجمالي المزبور، لاحتمال التعيّنيّة في كلّ منهما، وبعد العلم التفصيلي بحرمة ترك كلّ منهما في حال ترك الآخر يرجع الشكّ المزبور إلى الشكّ في حرمة ترك كلّ واحدٍ في حال وجود غيره، فيجري البراءة فيهما، لاندراجه في الأقلّ والأكثر الارتباطيّين، ولا مجال لإجراء قاعدة الشكّ في المُسقِط، لأنّ ذلك إنّما يكون في فرض ثبوت أصل الإشكال بالتكليف، وفي المقام كان الشكّ في أصل التكليف بالترك الخاص في كلّ منهما، ومثله كما عرفت يكون مجرى البراءة، كما أنـّه لا مجال للتمسّك باستصحاب وجوب كلّ منهما بعد الإتيان بالآخر؛ لأنّ الوجوب المردّد بين الأقلّ والأكثر ممّا لا ينتج شيئاً، والوجوب الآخر من الأوّل كان مشكوكاً)، انتهى[2] .

أقول: الظاهر من كلامه هو تجويز الاكتفاء بأحدهما؛ يعني إذا قام بتحرير العبد مثلاً جرى بالنسبة إلى حرمة ترك الصوم أصل البراءة، فيجوز تركه، وكذلك الحال في عكسه، أي لو أتى بالصوم جاز له ترك العتق بأصل البراءة، لكن لا يجوز له ترك كلّ منهما.

ولكن الأولى أن يقال: بأنّ الشكّ في الوجوب التعييني والتخييري فيهما يرجع إلى الشكّ في تعدّد الوجوب عليه ووحدته؛ لأنـّه إن كان كلّ واحدٍ منهما واجباً تعيينيّاً، فلا يكون الوجوب حينئذٍ إلاّ متعدّداً بنحوٍ لا يكون إتيان أحدهما مسقطاً للآخر، بخلاف ما لو كان الوجوب تخييريّاً، حيث يكون الوجوب فيهما وجوباً واحداً، بأن يكون إتيان أحدهما مُسقِطاً للآخر، ففي هذا الفرض يكون دوران الأمر في مورد الشكّ بين أن يكون هنا واجبان تعيينيّان أو واجبٌ واحدٌ تخييريّ، فما وقع في تعبير المحقّق العراقي رحمه‌الله بقوله في الصورة الثالثة ـ وهو صورة العلم بوجوب الشيئين، مع الشكّ في أنّهما واجبان تعيينيّان أو تخييريّان ـ لا يخلو عن مسامحة، لعدم وجود واجبٍ تخييري متعدّد، بل متعلّق التخييري هو الفردين.

وكيف كان، فالواجبُ هنا مردّدٌ بين كونه متعدّداً بالتعييني، أو واحداً بالتخييري مع انضمام أن لا يكون احتمال كون الوجوب في أحدهما تعيينيّاً وفي الآخر تخييريّاً داخلاً في محتملات الشكّ، بل نعلم أنّ بدوران الأمر في المقام بين كون الواجب هنا متعدّداً تعيينيّاً أو واحداً تخييريّاً.

فحينئذٍ نقول: يكون دوران الأمر هنا بين الأقلّ والأكثر، أي لا يعلم هل الواجب عليه هو الإتيان بكلّ من العتق والصوم، أو يكفي الإتيان بأحدهما؟

فلو سلّمنا جريان البراءة في الزائد عن الواحد، فيقال إنّ الواجب عليه ليس إلاّ الواحد، ولكن حيثُ لا يُعلم ما هو الواجب فيما بينهما، فمقتضى العلم‌الإجمالي بوجوب واحدٍ عليه، إمّا في العتق أو في الصوم هو الإتيان بكليهما، فلا يجوز حينئذٍ الاكتفاء بأحدهما، غاية الأمر، حيث لا يُعلم أيّهما كان واجباً، كما لا يُعلم أنّ وجوبه تعييني أو تخييري، فالأولى أن ينوي الامتثال بالأمر الموجود في البين من التعيين والتخيير في الإتيان بكليهما.

وهكذا يصحّ ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمه‌الله بلزوم الاحتياط والاشتغال دون التمسّك :

لا باستصحاب الوجوب، حتّى يجاب بأنـّه لا يجري في الفرد المردّد كما ذكره المحقّق العراقي.

ولا استصحاب وجوب‌الآخر،حتّى يرد عليه‌بأنـّه‌كان من‌أوّل‌الأمر مشكوكاً.

وإنّما قلنا بذلك لقيام العلم الإجمالي بالوجوب المردّد بين الفردين المحصورين، فالشغل اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني، ففي مثل ذلك لا تصل النوبة إلى أصل البراءة.

 


[1] فوائد الاُصول: ج3 / 428.
[2] نهاية الأفكار: ج3 / 290.