95/08/02
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: صور الشكّ في التعيين والتخيير
وأمّا جريان البراءة في أصل الوجوب الكلّي المردّد بينه وبين غيره، فقد تعرّض قدسسره لذلك والتزم فيه بالتفصيل، راجع كلامه ولاحظه بالدّقة.
وكيفكان،فنسبهعدمجريانالبراءهإلىالشيخصحيحٌلاتردّدفيهكماأوضحناه.
نعم، إن أردنا تقرير جريان البراءة على ما ذكره المحقّق النائيني رحمهالله، من ملاحظة أصل الوجوب بذاته، بأنـّه هل ثبت على ذمّته بارتكابه المفطّر في نهار شهر رمضان كفّارة أم لا؟
وأيضاً على فرض اقتضائه ثبوت الكفّارة، هل الكفّارة تكون كفّارة معيّنة أم مخيّرة بين الثلاث؟ فحينئذٍ يكون معنى جريان البراءة عدم ثبوت التكليف له بذلك الإفطار الرافع لأصل الشكّ في الوجوب، والرافع للشكّ الموجود في ضمنه، وهو كونه كفّارة معيّنة أو مخيّرة، وحيث كان الشكّ الثاني من متفرّعات إثبات الوجوب في الشكّ الأوّل، وإلاّ لماكان للشكّ الثاني استقرارٌ عند عدم ثبوت الوجوب بواسطة البراءة، فالبراءة حينئذٍ ليست لخصوص فردٍ، بل لأصل الوجوب المتعلّق بينه وبين غيره، الموجب لإثبات عدم جواز ترك هذا الفرد منضمّاً مع ترك الفرد الآخر، فالالتزام بجريان البراءة فيه ممّا لا مسامحة فيه، فتشمله أدلّة البراءة، كما عليه أكثر المتأخّرين كصاحب «الكفاية» والمحقّق النائيني والعراقي رحمهمالله.
الصورة الثانية: الشكّ في التعيين والتخيير بعد العلم بتوجّه الخطاب وثبوت التكليف في حقّه، وهو أيضاً يتصوّر على أقسام:
القسم الأوّل: يعلم بتعلّق التكليف على شيء خاصّ مثل العتق، ولكنّه لا يعلم أنّ له عِدْلٌ كالصيام في الوجوب، حتّى يكون الوجوب المردّد بينه وبين الصيام واجباً تخييريّاً، فيجوز له حينئذٍ ترك العتق لقيامه بإتيان عِدله وهو الصيام، أو ليس للصيام عِدْلٌ بل هو مستحبٌّ أو مباح، بحيث لو أتى به لكان الواجب بالعتق باقٍ على وجوبه.
والظاهر أنـّه لا خلاف بين المتأخّرين من المحقّق النائيني والعراقي والبجنوردي رحمهمالله وغيرهم من جريان قاعدة الاشتغال فيه دون البراءة، إلاّ أنّ المحقّق النائيني نقل عن بعضٍ قولهم بأنـّه: (تجري البراءة عن التعينيّة، لأنّ التعيّنيّة كُلفة زائدة توجبُ الضيق على المكلّف، فيشمله دليل حديث الرفع وحديثالسِّعة، فيوجبُ جواز الاكتفاء بفعل ما يحتمل كونه عِدْلاً لما عُلم تعلّق التكليف به).
ثمّ أجاب رحمهالله عنه بما ناقش فيه المحقّق العراقي، فلابدّ لنا من نقل كلام النائيني وما أورد عليه حتّى يلاحظ ما هو الحقّ فيتّخذ.
فإنّه نقل بعد قوله: (وقيل بعدم جريان البراءة، ويلزمه عدم الاكتفاء بما يحتمل كونه عِدْلاً للواجب، وهو الأقوى)، قال في معرض توجيهه:
(إنّ صفة التعيينيّة وإن كانت كلفة زائدة توجبُ الضيق على المكلّف، إلاّ أنّ مجرّد ذلك لا يكفي في جريان البراءة، بل لابدّ مع ذلك من أن يكون المشكوك فيه أمراً مجعولاً شرعيّاً تناله يد الوضع والرفع التشريعي، ولو بتبع خطابٍ آخر كما تقدّم، وإلاّ كان اللاّزم جريان البراءة في جميع موارد الشكّ في الامتثال والسقوط، فإنّ عدم حصول الامتثال، وعدم السقوط، ضيقٌ وكُلفة على المكلّف، كما أنّ حصول الامتثال والسقوط توسعة، فلو اكتفينا في جريان البراءة بمجرّد كون المشكوك فيه ممّا يوجب الضيق والكُلفة، كان اللاّزم جريان البراءة عند الشكّ في سقوط الأمر الصلاتي مثلاً بالصيام وهو كما ترى، وليس ذلك إلاّ من جهة أنـّه يعتبر في أصالة البراءة مضافاً إلى كونها موجبة للتوسعة ورفع الكلفة، أن يكون المشكوك فيه أمراً وجوديّاً تناله يد الوضع والرفع التشريعي، ولو كان من توابع نفس التكليف وخصوصيّاته، أو من توابع متعلّقه وقيوده، ولذلك كان الأقوى عندنا جريان البراءة عند الشكّ في الأقلّ والأكثر الارتباطيين، سواءً كان المشكوك فيه جزءاً أو قيداً.