95/06/28
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: التخيير الناشئ عن تعارض الدليلين
واُخرى: يلاحظ على القول بالسببيّة، وكون المصلحة بسبب قيام الأمارة غالبة على ما كان عليه من الملاك عند مخالفتها للواقع، فالتخيير بين الأمارتين المتعارضتين يكون علىالقاعدة،فيكون منصغرياتالتخيير فيباب المتزاحمين. فهذا هو القسم الثاني وليس هو شيء آخر، وذلك لأنّ كلاًّ من الأمارتين قد استعقبت حكماً على طبقها، وحيث لا يمكن للمكلّف الجمع بين الحكمين في الامتثال، لتضادّ مؤدّاهما الذي هو منشأ التعارض، فلا محيص عن التخيير.
هذا كما في كلام المحقّق النائيني رحمهالله.
أقول: الأقوى عندنا أنّ هذا التخيير ليس تخييراً في الحكم، بل هو تخييرٌ في الأخذ بما يتكفّل الحكم من إثبات الحجّة، بلا فرقٍ بين القول بطريقيّته وسببيّته، والشاهد على ذلك أنـّه لا يمكن أن يكون مفاد أحد الدليلين حكماً إلزاميّاً بالوجوب، ـ كوجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة ـ والآخر حكماً استحبابيّاً، فمن الواضح أنـّه لو كان التخيير في الحكم من هذا القبيل، لما مضى القول بالتخيير بين الحكم الإلزامي وغير الإلزامي؛ لأنّ الأوّل مقدّمٌ بلا إشكال، هذا بخلاف ما لو قلنا بالتخيير في الأخذ بإحدى الحجّتين، فإنّه يصحّ الأخذ به حتّى فيما لو كان مشتملاً على حكمٍ غير إلزامي، بل على نفي الحكم رأساً، فضلاً عن إثباته، فهذا القسم من التخيير ليس بتخييرٍ في الحكم، وعليه فجعله من القسم الثاني على القول بالسببيّة، أو قسمٍ آخرٍ مستقلٍّ على القول بالطريقيّة ـ كما التزم به المحقّق النائيني رحمهالله ـ ليس في محلّه، كما لا يخفى.
***
الموضوع: البحث عن أقسام شرط التكليف
الوجه الثاني: إنّ شرطيّة شيء للتكليف يكون على قسمين:
تارةً: يكون الشيء شرطاً لحدوث التكليف، بحيث لولا الشرط لما حَدَث التكليف، مثل الاستطاعة، حيث تكون شرطاً لحدوث التكليف بالحجّ.
واُخرى: يكون الشرط شرطاً لاستمرار التكليف وبقائه لا حدوثه، مثل شرطيّة وجوب الحجّ بعد حصول الاستطاعة بقاءً، بأن لا يستلزم الذهاب إلى الحجّ صدور معصيةٍ من الغصب وغيره في الطريق، حيث أنّ عدم صدورها منه شرطٌ لبقائه لا لحدوثه؛ لأنّ المفروض أنـّه قد حصل له الاستطاعة.
قال صاحب «فوائد الاُصول»: (إنّهما متعاسكان في جريان البراءة، والإشكال عند الشكّ في شرطيّتهما، إذ لو شكّ في إطلاق التكليف واشتراطه في عالم الجعل والتشريع، فالأصل يقتضي البراءة عند عدم وجود ما شُكّ في شرطيّته للشكّ في أصل التكليف.
وإن شكّ في الإطلاق والاشتراط في مرحلة البقاء والاستمرار، فالأصل يقتضي الاشتغال؛ لأنّ الشكّ يرجع فيه إلى الشكّ في المُسْقِط، فالأصل يقتضي عدم السقوط، ففرق بين الأوّل والثاني إذ الأوّل شكٌّ في أصل التكليف، والثاني في سقوط التكليف الثابت بإتيان مسقطه، فالأوّل مجرى للبراءة بخلاف الثاني)، انتهى ملخّص كلامه[1] .
اعترض عليه المحقّقالعراقي في حاشيته بقوله: (والأولى أن يقال عند الشكّ في اشتراط بقاء التكليف، أنّ المرجع استصحاب بقائه لا الاشتغال، كيف وفي طرف البقاء يشكّ في أصل التكليف والاشتغال به، وما قَرَع سمعك من مرجعيّة الشكّ في المُسقِط إلى الاشتغال، إنّما هو في صورة تعلّق الشكّ بوجود بدل مفوّت له، لا مثل المقام كما لا يخفى)، انتهى كلامه[2] .