95/06/20
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضوع: البحث عن كيفيّة جريان البراءة في الوجوب التخييري
الأمر الرابع: من الاُمور المهمّة التي لابدّ من ذكرها في البحث، هو البحث عن أنّ أدلّة البراءة :
هل تجري في خصوص مشتبه الحكم الوجوبي بالوجوب التعييني عند فقدان النّص، إذا كان الوجوب المشكوك واجباً تعيينيّاً بالأصالة.
أو تجري أدلّة البراءة ـ منالشرعيّة والعقليّة ـ في الوجوب المشكوك، سواءً كان بالأصالة أو بالعَرَض، لأجل انحصار الفرد فيه في مقام الامتثال في الواجب التخييري، بل تَعمُّ حتّى ما لو كان الشكّ في الوجوب التخييري؟
أقول: بما أنّ فرض المسألة وشقوقها مؤثّرة في كيفيّة ورود أدلّة البراءة عليها وعدمه، لابدّ قبل الدخول في أصل المسألة من بيان الوجوه المتصوّرة في الواجب التخييري،لكينقف على موضعالبحث،ولذلك نتحدّث في المقام فيالوجوهالتالية:
الموضوع: أقسام الواجب التخييري
الوجه الأوّل: في بيان أقسام الواجب التخييري.
وقد ذكر له أقساماً عديدة:
القسم الأوّل: الواجب التخييري الابتدائي الشرعي، والذي يعدّ الأصل في الواجبالتخييري؛ وهو ما لو كانالخطاب منأوّلالأمر ومنحينالتشريع والجعل خطاباً تخييريّاً ذا أفراد، في مقابل الخطاب التعييني، مثل خصال الكفّارات، حيث شرّع الشارع الكفّارات لمن تعمّد الإفطار في نهار شهر رمضان ـ في غير موارد الجمع ـ بإحدى الخصال الثلاث من العتق والإطعام والصيام.
أقول: في كيفيّة إنشاء الخطاب التخييري، وتصويره وجوهٌ وأقوال:
تارةً يُقال: بأنّ الخطاب التخييري عبارة عن تقييد إطلاق الخطاب المتعلّق بكلٍّ من الفردين أو الأفراد بما إذا لم يأتِ المكلّف بعِدْله، فيكون وجوب العتق في الخصال مقيّداً بعدم عِدْله، وهكذا في وجوب كلٍّ من الإطعام والصّيام بالنسبة إلى عِدْله، فيُستفاد من تقييد إطلاق هذه الخطابات التخيّير، وهذا الوجه هو مختار المحقّقالبجنوردي فيكتابه «منتهىالدراية» ولعلّه مختار المحقّق النائيني قدسسرهأيضاً.
واُخرى يُقال: إنّ سنخ الخطاب التخييري بنفسه مغايرٌ لسنخالخطابالتعييني، لا أنـّه ينشأ من تقييد الإطلاق، بل سنخيّة التخييري والتعييني سنخان متباينان بحسب العمل والإرادة والإنشاء؛ حيث تكون الإرادة الأزليّة نحو المراد متعلّقة بشيئين أو الأشياء على نحوٍ لا يكون بينهما جامعٌ قريبٌ عرفيٌ مقدور للمكلّف، يكون هو متعلّق التكليف، كما كان الأمر كذلك في الواجب التخييري العقلي، حيث كان بين الأفراد جامعاً عرفيّاً، يكون هو مركز التكليف والوجوب، فيجوز له الإتيان بأيّ فردٍ منه، كالتخيير في الامتثال بين أفراد الصلاة الواقعة بين الحدّين من الزوال إلى الغروب، فإنّه تخييرٌ عقليّ لوجود الجامع بين الأفراد، وهو الإتيان بالصلاة بين الحدّين، فبأيّ فردٍ تحقّق يتحقّق الامتثال، وهذا بخلاف التخيير الشرعي ـ كالخصال الثلاث في الكفّارات ـ حيث لا جامع بين أفرادها حتّى يكون هو متعلّق التكليف، أو كان الجامع بين الأفراد هو مجرّد وحدة الملاك .
والحاصل: أنّ مجرّد تقييد إطلاق الخطاب لا يوجبُ الوجوب التخييري ما لم يكن في البين اختلافٌ في سنخ الإرادة وكيفيّة تعلّقها نحو المراد.