95/03/01
بسم الله الرحمن الرحیم
قال المحقّق الإصفهاني في «نهاية الدراية»: (لابدّ من تقديم مقدّمةٍ وهي أنّ الخبر عن الموضوع بما هو لا يراد منه إلاّ العمل المتعلّق به، إلاّ أنّ العمل:
تارةً: يكون من غير مقولة القول، كما فيما إذا قام الخبرُ على أنّ هذا الموضع الخاص مدفن نبيّ من الأنبياء أو مسجدٍ، فإنّ الثابت به استحباب الحضور عنده وزيارته، واستحباب الصلاة فيه، وهذا في نفسه لا محذور فيه .
واُخرى: من مقولة القول المتّصف بالصدق والكذب، ولابدّ حينئذٍ من تنقيح أنّ الكذب القبيح عقلاً والمُحرّم شرعاً ماذا ؟
لا ينبغي الرَّيب في أنّ الصدق الخَبري والكذب الخبري لا حكم لهما عقلاً ولا شرعاً، وإنّما المناط في الحُسن والقُبح، والجواز والحرمة،والصدق والكذب المخبريّين، ولا ريب في أنّ الصدق المخبري هو القول الموافق للواقع بحسب اعتقاد المُخبر،إلاّ أنّ الكلام في الكذبالمخبريالقابل للصدق المخبري هل بينهما التقابل بالتضادّ أو بنحو العدم والمَلكة، بمعنى أنّ الكذب المخبري هو المقول الذي يعتقد أنـّه خلاف الواقع، أو القول الذي لا يعتقد أنـّه ليس كذلك في الواقع؟
والتحقيق: أنّ التقابل بينهما بالعدم والملكة،وهو المعبّر عنه في لسان الشرع بالقول بغير العلم ممّا لا علم به ولا حجّة عليه، يندرج الحكاية عنه في الكذب القبيح عقلاً والمحرّم شرعاً، ولا يختصّ قبح الكذب بصورة الإضرار عقلاً، كما لا اختصاص له شرعاً.
وعليه، فنشر الفضيلة التي لا حجّة عليها، وذكر المصيبة التي لا حجّة عليها قبيحٌ عقلاً ومحرّمٌ شرعاً، فكيف يعمّها أخبار من بلغ، سواء كان مفادها الإرشاد إلى حُسن الانقياد أو إثبات الاستحباب .
نعم، إذا قلنا بأنّ الأخبار المزبورة تُثبت حجّية الخبر الضعيف، فلازمه اندراج الفضيلة والمصيبة فيما قامت الحجّة عليه شرعاً، فيخرج عن تحت الكذب المخبري القبيح عقلاً والمحرّم شرعاً، وحينئذٍ إن كان إجماعٌ فهو كاشفٌ عن هذا المعنى، لا أنـّه تخصيصٌ في حكم العقل والشرع، فتدبّر جيّداً)، انتهى كلامه[1] .
أقول: ويرد على كلامه الذي ذكره أخيراً ومستدركاً به لما سبقه من أنّ الكذب الحجّية بواسطة أخبار من بلغ إذا كان موجباً لإخراج الخبر عن الكذب المخبري بحيث لا يعدّ قبيحاً عقلاً ولا حراماً شرعاً، وذلك باعتبار قيام الحجّة عليه وهي أخبار من بلغ، جاز القول بذلك في صورة القول بتكفّل أخبار من بلغ استحباب ذلك، حيث يكون ذلك مجوّزاً من ناحية الشارع لأجل تحصيل الثواب بالبكاء وإثباتالفضيلة،والحكمبصحّهذلك وإعطاء ثواب على_'feذلكالشيءإلى الذي قام به ،فيكون هذا دليلاًعلىأنّمثلذلك خارجٌعنحكمالعقلتخصّصاً لا تخصيصاً، فالإشكال من هذه الناحية غير واردٍ كما وافقنا فيه صاحب «منتهى الدراية».
ولعلّ هذا هو مراد الشيخ رحمهالله في رسالته والشهيدين في كتابيهما من تجويز ذلك في نقل المصيبة والفضيلة، بأن تكون أخبار من بلغ شاملة للمورد بالحجيّة أو بالاستحباب.
وتوهّم: أنّ أدلّة حُسن الإعانة مثل قوله تعالى: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى»[2] ، أو الأخبار الكثيرة الواردة في فضيلة البكاء على مصيبة الحسين عليهالسلام، ونظائر ذلك، لا توجبان تجويز ذكر المصائب غير الثابتة، لولا شمول أخبار من بلغ لإثبات حجّية تلك الأخبار أو استحبابها، لأنّ الأدلّة الراجحة إنّما تثبت فيما لا يكون العمل بنفسه محرّماً شرعاً وقبيحاً عقلاً، ولذلك لا يوجبُ مثل تلك الأدلّة الواردة في الترغيب على الإعانة، وحُسن النياحة والبكاء على الحسين عليهالسلام، على تجويز الغناء المتحقّق في بعض أنواع المراثي أو في قراءة القرآن، لأنّ أدلّة الرّجحان ناظرة إلى ما هو بحكم الأوّلي مشروعاً ومجازاً، فهكذا يكون في المقام كما لا يخفى.
وعليه، فدعوى التعميم في أخبار من بلغ بحيث تشمل مثل هذه القصص والحكايات والمواعظ ـ المستلزمة لتحقّق الثواب بالملازمة، باعتبار كون الثواب مترتّباً على زيارة المعصوم، أو الصلاة عند قبره؛ بالزيارة المطلقة أو المخصوصة، مع كيفيّة خاصّة، وأمثال ذلك ـ ليست بمجازفة وبعيدة اعتماداً على ما يستفاد من هذه الأخبار بتنقيح.
وبالجملة: ظهر ممّا ذكرنا عدم تماميّة التفصيل الذي ذكره صاحب «منتهى الدراية» بين الزيارتين من إثبات حجّية الزيارة المطلقة دون المخصوصة.
نعم، عدم سائر الأحكام غير المرتبطة بالثواب والاستحباب من أحكام المسجديّة، وقبر المعصوم من جهة حرمة تقدّم الصلاة على قبره أو كراهته وأمثال ذلك أمرٌ متين في غاية المتانة. والله العال.
***
هذا آخر ما أردنا ذكره من مباحث أخبار من بلغ، المُسمّى بقاعدة التسامح في أدلّة السنن، كما هو آخر ما أردنا إيراده من المباحث العقليّة، وكان الفراغ منه يوم السبت الثالث والعشرون شهر ذي القعدة الحرام، سنة ثلاث عشر وأربعمائة بعد الألف من الهجرة النبويّة المصطفويّة الشريفة على مهاجرها ألف ألف سلام، بيد أقلّ خَدَمَة أهل العلم وأحقر العباد، السيّد محمّد علي العلوي الحسيني الگرگاني، ابن المرحوم الحاج السيّد السجّاد العلوي عفى الله تعالى عنهما.
***
وأسأله تعالى أن يتقبّل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، إنّه على كلّ شيءٍ قدير، وآخر دعوانا أن الحمدُ للّه ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين.