95/02/26
بسم الله الرحمن الرحیم
ثمّ إنّ البلوغ هل يشمل ما لو لم يكن الثواب الواصل من طريق الخبر، بل كان عن طرق غير متعارفة اُخرى مثل القياس والرأي والرمل والجفر والاسطرلاب والاستخارة والنوم والأولويّة الاعتباريّة، بل ومن مثل الإجماع والشهرة ونظائرهما، بل مثل المكتوب في ظهر بعض القراطيس الملقاة في الطرق وأمثال ذلك، أم لا ؟
أقول: إنّ إطلاق لفظ البلوغ بحسب اللّغة يشمل ذلك جميعها، إلاّ أنّ المستفاد من مناسبة الحكم للموضوع لا محالة من التفصيل بما لا يكون الشارع قد منع عن العمل به مثل القياس والاستحسان؛ أي لم يجعل هذا الطريق طريقاً للوصول إلى الحقّ والواقع، بل ربما يوجب شمول ذلك لبعض الأقسام إلى ما كان فساده وضرره أقرب من صلاحه ونفعه.
نعم، لا يبعد شموله لمثل الإجماع المنقول والشهرة والأولويّة الاعتباريّة الظنيّة، لو عمّمنا لفظ البلوغ عن دائرة الأخبار إلى غيرها، فيصحّ صدقه لمثل بعض الأدعية المكتوبة في بعض الكتب والأوراق المبعثرة وغيرها، إذا لم يحتمل كون الكاتب عابثاً في كتابته وإلاّ فلا .
وكيف كان، فالمرجع إلى قوله تعالى في كتابه: «وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ»[1] . فإنّ رحمة الله واسعة عامّة لعباده، فيشمل جميع من عمل عملاً برجاء ثوابه، بأيّ وجهٍ كان، إلاّ ما خرج بواسطة نهي الشارع عنه كما لا يخفى.
***
البحث عن شمول أخبار من بلغ لغير الثواب
البحث عن شمول أخبار من بلغ لغير الثواب
التنبيه الثامن: نُقل عن الشهيدين، فمن الشهيد الأوّل في «الذكرى» ومن الثاني في «الدراية»، بل الثاني نَسبه إلى الأكثر من جواز العمل بالخبر الضعيف في القصص والمواعظ وفضائل الأعمال، وذهب إليه الشيخ الأعظم في رسالته المسمّاة بـ «التسامح في أدلّة السنن»، فهل يصحّ ذلك أم لا؟
أقول: يقع البحث عن هذا التنبيه في مقامين :
المقام الأوّل: تارةً يكون البحث من جهة ورود خبرٍ ضعيف عن قضيّة خارجيّة، فيأتي البحث عن أنـّه هل يوجب ثبوت وقوع ذلك الشيء في الخارج أم لا، كما لو أخبر بحديث ضعيف عن وقوع حادثة مؤلمة في واقعة كربلاء، فإنّ ذلك بنفسه يعدّ من الموضوعات الخارجيّة التي لا يثبت بالخبر الواحد الصحيح، فضلاً عن الخبر الواحد الضعيف، فهل يوجب شمول أخبار من بلغ لمثل هذه الأخبار الضعاف ثبوت تلك الحادثة والقضيّة ليصحّ بذلك إسناد وقوعه إلى الإمام عليهالسلامبحسب ورود ذلك في الخبر الضعيف أم لا؟
فقد اختار صاحب «منتهى الاُصول» الثاني، لأنـّه قال:
(إنّ إثبات الموضوعات الخارجيّة المتوقّفة على ثبوت البيّنة في إثباتها، ولا يثبت بخبر واحدٍ صحيح، فكيف يمكن القول بإثباتها بخبرٍ واحد ضعيف، وأخبار من بلغ أجنبي عن ذلك، وإن قلنا بثبوت الأجر والثواب المتعلّق لتلك المصيبة، بواسطة البكاء عليها بواسطة بلوغ ذلك إليه) .
ولكن الظاهر من كلام الشهيدين رحمهماالله والشيخ كما في «منتهى الدراية» هو التصريح بذلك حيث قال:
(الرابع: لا تبعد دعوى شمول أخبار من بلغ لفضائل المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين ومصائبهم، وبعض الموضوعات الخارجيّة، كما إذا قام خبرٌ ضعيفٌ على صدور معجزات من المعصومين عليهمالسلام، كأمر بعضهم عليهالسلام تمثال أسدٍ بافتراس عدوّ الله تعالى، أو على أنّ الموضع الخاص مدفنُ نبيٍّ من الأنبياء، أو رأس الإمام المظلوم سيّد الشهداء عليهالسلام، أو مقام عبادة معصومٍ كمقامات مسجدي الكوفة والسهلة، أو غيرهما، أو مسجديّة مكانٍ أو غير ذلك.. إلى آخره)[2] .