95/02/25
بسم الله الرحمن الرحیم
البحث عن التعارض في أخبار من بلغ
التنبيه السادس: لو ورد خبران ضعيفان أحدهما على استحباب الصلاة في أوّل الشهر، وحديثٌ ضعيفٌ آخر على استحباب الغُسل فيه، وعلمنا إجمالاً بكذب أحدهما في الواقع:
قال المحقّق العراقي في «نهاية الأفكار»: (أمّا على الانقياد فلا إشكال،فإنّه يكفي في جريانه مجرّد احتمال المطلوبيّة في كلّ منهما، ولا يمنع عنه العلم الإجمالي المزبور، كما أنـّه كذلك بناءً على الاستحباب النفسي،لما تقدّم من أنـّه يكفي في شمول أخبار من بلغ مجرّد كون الشيء ممّا بلغ عليه الثواب،مع احتمال المطابقة للواقع، فإذا قام على استحباب كلّ منهما خبرٌ ضعيفٌ،واحتمل المطابقة للواقع أيضاً في كلّ واحدٍ منهما في نفسه، مع قطع النظر عن الآخر، فلا جَرَم تشمله أخبار التسامح، ويستفاد منها استحباب كلّ بالخصوص بما بلغ عليه الثواب، ولا يضرّ به العلم الإجمالي بعدم استحباب أحدهما في الواقع بعنوان ذاته، وعدم وجود ملاك ا لرجحان فيه كذلك .
وأمّا بناءً على الحكم الطريقي الراجع إلى حجّية أخبار الضعاف في المستحبّات، فحيثُ أنّ المدلول الالتزامي في كلّ من الخبرين،بمقتضى العلم الإجمالي المزبور، هو نفي الاستحباب الآخر:
فإن قلنا بشمول أخبار من بلغ لكلّ واحدٍ منهما بما لهما من المدلول المطابقي والالتزامي، فلا جَرَم يتحقّق بينهما المعارضة، وينتهي الأمر فيهما بعد التعارض إلى التساقط.
وأمّا إن قلنا باختصاص الحجّية حينئذٍ من جهة دلالتها على الثواب، أعني مدلولهما المطابقي دون الالتزامي كما لعلّه هو الظاهر أيضاً، فلا مانع من الأخذ بهما معاً، حيث يكون هذين الخبرين كالأصلين المُثبِتين للتكليف اللّذين بيّنا في محلّه جريانهما في طرفي العلم الإجمالي)، انتهى كلامه[1] .
أقول: والظاهر أنّ الأثر يترتّب على كلّ من الخبرين بواسطة أخبار من بلغ على المباني الثلاثة، حتّى على مبنى الحجّية، والقول بحجيّة كلّ من مدلولي المطابقي والالتزامي، لوضوح أنّ الملازمة بنفي استحباب الآخر لا يكون من المدلول الالتزامي المتعلّق بنفس الحديث الضعيف، بل تكون الملازمة حاصلة من أمرٍ خارجي وهو العلم الإجمالي، فلا ينافي الجمع بين القول بالاستحباب بواسطة الخبرين الدالّين على استحباب الصلاة والغُسل، وإن كان في نفس الأمر والواقع أحدهما مستحبّاً دون الآخر، ومثل ذلك يجري في دوران الأمر بين استحباب شيءٍ وكراهة شيء آخر، بناءً على شمول أخبار من بلغ للمكروهات، مع العلم الإجمالي بكذب أحدهما في الواقع.
***
البحث عن إطلاق أخبار من بلغ
البحث عن إطلاق أخبار من بلغ
التنبيه السابع: الظاهر شمول أخبار من بلغ للخبر الضعيف مطلقاً، سواء كان موهوم الصدور أو مشكوكه، لإطلاق البلوغ الشامل لجميع ذلك عنوان رجاء الثواب، وطلب الموافقٍ مع قول النبيّ صلىاللهعليهوآله لاحتمال المطلوبيّة والصدق، فما لم يعلم الكذب يصدق عليه البلوغ.
كما أنّ الظاهر شمول الثواب لمطلق النفع المستحقّ المقارن للتعظيم والإجلال لكلٍّ من الأجر الدنيوي والأخروي، فالروايات الواردة في سعة الرزق، وطول العمر، ورفع البلاء بواسطة بعض الأذكار والأدعية والختومات داخلة في عموم أخبار من بلغ .
فدعوى انصراف الثواب إلى الأجر والثواب والأخروي فقط، غير مسموعة كما يظهر بالتأمّل، خصوصاً مع ملاحظة ما ورد في كثيرٍ من الواجبات والمندوبات من المصالح والمنافع الدنيويّة المترتّبة عليها.
فبناءً على هذا يحكم باستحباب العمل البالغ فيه الأجر الدنيوي ويترتّب عليه الثواب، بلا فرق في ذلك بين المباني الثلاثة.
كما أنّ الظاهر أنّ المراد من البلوغ، هو البلوغ عمّن يمكن الاعتماد على قوله في الجملة، وأمّا البلوغ عمّن لا يكون كذلك، مثل خبر الصبي غير المميّز أو المجنون مشكلٌ جدّاً، لانصراف الحديث عن مثل من لا يَعتمد عليه العقلاء، بل قد يذمّونه لو اعتمد على قوله.
نعم، يصحّ شموله لأخبار الإنسان الكامل البالغ العاقل، بل غير البالغ إذا كان مميّزاً، بل وهكذا إذا كان المبلّغ إنساناً غير إمامي أو غير مسلمٍ، بل لا يبعد شموله لإنسانٍ كافر لو احتمل في حقّه الصدق، ولم يكن مجنوناً بما يوجب الظنّ على خلافه، حيث إنّ العقلاء يعتمدون على مثل هذا الكلام في بعض الاُمور.