درس خارج اصول استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

95/02/22

بسم الله الرحمن الرحیم

ولكن يرد عليه: أنّ الدليل الدالّ على حرمة إكرام النحويّين إذا كان ضعيفاً، فلا يكون حجّةً في التحريم، فيكون من قبيل الشبهة التحريميّة التي تجري فيها أصالة البراءة الشرعيّة والعقليّة، فمجرّد وجود علم إجمالي بوجود حكم استحبابي لإكرام النحويّين، لأجل دليلِ العام، أو حرمته احتمالاً لأجل دليل الخاص، لا يوجبُ الحكم بظهور تقديم الحكم بالتحريم.

وأمّا إذا كان دليل الخاص معتبراً، فيحكم بالتقديم قطعاً، ولو كان ظهور دليل العام شاملاً لأفراد الخاص .

قال المحقّق العراقي في «نهاية الأفكار»: بعد ذكر ذلك:

(هذا إذا لم يكن الخبر الدال على عدم استحبابه معتبراً في نفسه .

وأمّا إذا كان معتبراً فينفسه،فقد يقال بعدم‌جريان‌التسامح، نظراً إلى اقتضاء دليل تتميم كشفه حينئذٍ بإلغاء احتمال الخلاف، للقطع التعبّدي بعدم استحبابه، فيلزمه ارتفاع البلوغ المأخوذ في تلك الأخبار، فلا يبقى مجالٌ للحكم باستحبابه.

ولكنّه مدفوعٌ، بأنـّه لا تنافي بينهما حيث لا يردان النفي والإثبات فيهما على موضوعٍ واحد، بداهة أنّ ما أثبتته أخبار التسامح إنّما هو استحباب العمل البالغ عليه الثواب بهذا العنوان، أو استحباب ذات العمل لكونه بَلَغ عليه الثواب ـ على الخلاف المتقدّم في كون البلوغ قيداً لموضوع الثواب، أو داعياً على العمل ـ وهذا ممّا لا يقتضيه ذلك الدليل المعتبر، فإنّ ما يقتضيه إنّما هو استحبابه بعنوانه الأوّلي، وحينئذٍ فبعد صدق بلوغ الثواب بالوجدان، وعدم اقتضاء ذلك الدليل المعتبر للمنع عن ظهور ما دلّ على استحبابه، فتشمله تلك الأخبار لا محالة، ولا يكاد انتهاء الأمر إلى المعارضة بين دليل حجّية تلك الأمارة الدالّة على عدم الاستحباب، وبين تلك الأخبار المُثبِتة لاستحباب العمل الذي بلغ عليه الثواب، من غير فرقٍ بين أن تقول في مفاد دليل حجّية الأمارة بكونه عبارة عن تتميم الكشف، أو تنزيل المؤدّى منزلة الواقع، بجعل مضمونها حكماً ظاهريّاً للمكلّف، فإنّه على كلّ تقدير تجري فيه أدلّة التسامح، وإن كان جريانها على الثاني أوضح، فتأمّل). انتهى محلّ الحاجة[1] .

أقول: ولعلّ وجه تأمّله كان من جهة أنّ دليل المعارض الدالّ على عدم الاستحباب أو الكراهة، قد يشمله أخبار من بلغ عند من قال بذلك، فتصبح المعارضة واقعة في الثواب البالغ بين ما يدلّ على وجوده وإثباته، وبين ما يدلّ على نفيه، فكيف لا تعارض بينهما بعد تفاوت الموضوع وتعدّده، لما قد عرفت أنـّه إذا دخل كلّ منهما تحت عموم أخبار من بلغ، أوجب صدق وحدة الموضوع في مقام الدلالة، حيث يكون كلّ منهما قد بلغ بالثواب والكراهة المستلزم للثواب والأجر في الجملة في تركه، فكيف يصحّ الحكم بالجمع بينهما، مع شمول أخبار من بلغ لكليهما، وإن كان دليل المعارض لأجل اعتباره غير محتاجٍ إلى أخبار من بلغ على حسب الفرض كما هو .

وإن التزمنا بذلك بناءً على من يرى عدم شمول أخبار من بلغ لأدلّة الكراهة وعدم الاستحباب، وبرغم ذلك نقول:

فهل لأخبار من بلغ إطلاقٌ من تلك الجهة، بأن يحكم بالاستحباب أو الحجّية حتّى فيما ورد دليلٌ على عدم استحبابه واقعاً، وأنـّه ليس في الواقع شيءٌ أصلاً، لأنّ ظاهر سياق أمثال تلك الأخبار وردت فيما لم يعلم الحال بالنسبة إلى ذلك الشيء، إلاّ قيام خبرٍ ضعيفٍ دالّ على الثواب، لا فيما قام عليه حديثٌ معتبر بعدم الاستحباب أو الكراهة ؟

فدعوى إمكان الجمع بينهما باعتبار عدم وجود الاستحباب واقعاً والاستحباب بالبلوغ لا يخلو عن تأمّل، لأنّ تعدّد المورد هنا لا أثر له، بعد عدم الإطلاق في أخبار من بلغ، فغاية الأمر وقوع التعارض بين هذين‌الحديثين،لأجل صيرورة الحديث الدالّ على الاستحباب معتبراً على الفرض بأخبار من بلغ، فيعارض مع عديله، فلازمه التساقط، والرجوع إلى الحكم بجواز الإتيان من باب احتمال المطلوبيّة رجاءً بواسطة أخبار الاحتياط، لو قلنا بشمولها لمثل المقام، وإلاّ أصبح كالمباح في كونه متساو الطرفين في جواز الاختيار وعدمه استحباباً.

هذا حاصل ما توصّل إليه النظر بحسب القواعد على كلّ من المباني الثلاثة، خلافاً للمحقّق العراقي حيث فصّل بين مبنى الاستحباب بما عرفت كلامه، ومبنى الحجّية بما قلناه، وكذا مبنى الانقياد حيث ألحقه بما قد ذكره سابقاً من وجوده مطلقاً لعدم توقّفه على صدق البلوغ.

 


[1] نهاية الأفكار: ج3 / 284.