95/02/20
بسم الله الرحمن الرحیم
مع أنـّه يرد عليه: بأنّ المراد هو استفادة الملاك من الأخبار من ترتّب الثواب على الاحتياط في إتيان ما فيه الثواب في فعله،أو الترك فيما فيه الثواب في تركه، لأنّ العقل كما يحكم بالثواب في كلا الموردين، كذلك يحكم به الشرع، فلا اختصاص بخصوص الفعل ولا بغير الوجوب .
وكيف كان، على القول بالإرشاد يكون التعميم أقرب بالقبول عند القوم، والخلافوالنزاع إنّما وقععلىالفرضينالآخرين،منكون المستفاد هو الاستحباب الشرعي أو الحجّية في مطلق الخبر في المستحبّات:
فقد التزم جماعة بالتعميم والشمول للمكروهات والمحرّمات، كما عليه الشهيد رحمهاللهفي«الذكرى» ونَقلالاتّفاق عليه، ووافقه صاحب «وسائلالشيعة»، بل قد نُسب ذلك إلى شيخنا الأنصاري رحمهالله على ما في «قوامعالفضول»، بل إلى المشهور.
خلافاً للمتأخّرين كالمحقّق العراقي والبجنوردي والآملي، ودليلهم على هذه دعوى ظهور الأخبار في الفعل، وأنـّه لا تشمل الترك.
ثمّ كون الظاهر هو العمل الذي فيه ثواب وهو أمرٌ وجودي، فلايشملالترك الذي فيه الثواب لأنـّه أمرٌ عدمي، وكون الظاهر أنّ الحرام والمكروه في فعلهما مفسدة وحزازة لا في تركهما ثواب ومصلحة، والأخبار شاملة للثاني لا الأوّل .
أقول: الإنصاف قوّة القول الأوّل، لأنّ الظاهر من مدلول أمثال هذه الأخبار هو صدورها بقصد حثّ الناس إلى مطالبة ما هو مطلوب للمولى من العمل بالوجود والترك، وتحصيل الأجر والثواب من ذلك، ولا فرق عند الوجدان في إعطاء الأجر للعبد الذي يأتي بمحتمل الوجوب والاستحباب، أو العبد الذي يترك محتمل الحرام والمكروه؛ لاحتمال كون تركها مطلوباً للشارع بواسطة الخبر الضعيف الوارد في ذلك، والمناسبة بين الحكم والموضوع يقتضي التعميم، ولعلّه لذلك قد ورد في لسان بعض الأخبار لفظ (الأجر) الشامل بعمومه لما يعطى له في ترك الحرام أو المكروه عند احتمالهما، كما يشمل محتمل الوجوب والندب.
وأمّا ظهور لفظ العمل في خصوص الفعل، وكونه أمراً وجوديّاً،مردودٌ بأنّ العمل قد يراد منه الأعمّ، كما في قوله تعالى: «أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى»[1] حيث لا يكون المقصود منه خصوص الأفعال، بل المقصود هو الأعمّ،بل ولذلك يُطلق علىالصومعمل، معأنـّه عبارة عنالإمساك عنالمفطرات، وإن قيل في وجهه لعلّه كان بلحاظ قصد القربة اللاّزم فيه الذي كان أمراً وجوديّاً.
وأمّا كون الحرام والمكروه ذا مفسدة وحزازة، فهو أمرٌ مسلّم، ولكنّهلاينافي أن يكون في تركهما والامتثال بهما أجراً وثواباً، ولذلك يتّصف التارك للمحرّمات بالعدالة والوثاقة، حيث إنّهما يعدّان أجر التارك لها في الدُّنيا، أمّا في الآخرة فله حُسن ثواب الآخرة.
وكيف كان، فإثبات التعميم للمكروهات اعتماداً على أخبار التسامح في أدلّة السنن، لا يخلو عن وجه، فالحكم بالكراهة بالبلوغ نظير الاستحباب به، لا يخلو عن قُرب وقوّة، والله العالم.