95/02/19
بسم الله الرحمن الرحیم
أقول: ولعلّه كذلك، لأنّ الدلالة التضمّنية على الثواب تكون فرعاً على دلالته المطابقيّة وليست بمستقلّة، فإذا فرضنا عدم ثبوت الدلالة المطابقيّة انتفت الدلالة التضمّنية في ضمنها.
اللهمَّ إلاّ أن يقال بدخول هذا العنوان فيمن بلغه الثواب مستقلاًّ،لتشمله الأخبار بصورة الاستقلال، فإذا أتى بنحو رجاء درك الثواب لا بنحو الوجوب محتملاً، كان مستحقّاً للثواب بما رجى إليه، وإن لم يثبت الوجوب بتلك الأخبار فهو أمرٌ غير مقيّد، كما اختاره المحقّق العراقي، بل يمكن إلحاق صورة استفادة الأمر الطريقي منها المنتج لحجيّة الخبر الضعيف إليه، غاية الأمر يبعّض في مضمونه، فيؤخذ به من جهة دلالته على أصل الرجحان، ويترك دلالته على المنع عن النقيض.
وأمّا بناءً على الإرشاد فالأمر واضح، وما ذكرناه تبعاً للمحقّق العراقي لا يكون ملاك كلامنا على عدم بساطة الإرادة الشديدة والإرادة الضعيفة، حتّى تكون من قبيل الحِصص كما نسب ذلك إلى المحقّق الآملي رحمهالله، فأشكل عليه بفساد مبناه، لما قد عرفت وجه كلامنا من استقلال شمول الأخبار لمثل دلالته على الرجحان، خلاف ما يفهم من ظاهر كلام البجنوردي.
وعليه، فالإشكال وارد عليه لا علينا.
***
البحث عن إثبات أخبار من بلغ الجزئيّة والشرطيّة وعدمه
البحث عن إثبات أخبار من بلغ الجزئيّة والشرطيّة وعدمه
التنبيه الثالث: لا يخفى أنّ المستفاد من أخبار الثواب تابع لما تدلّ عليه بواسطة الخبر الضعيف:
تارةً: تدلّ على استحباب شيء باستحباب نفسي استقلالي.
واُخرى: بكونهجزءاً واجباًلواجبٍ أو لمستحبٍّ، أو جزءاً مستحبّاًلأحدهما.
ثالثة: تدلّ على كونه شرطاً كذلك .
قال المحقّق العراقي: إنّ أخبار الباب توجب إثبات ما هو مدلول ذلك الخبر الضعيف، فلازمه هو الحكم بجواز المسح ببلّة ماء مسترسل اللّحية من الأجزاء المستحبّة للوضوء.
وأمّا لو دلّ على كون غسله مستحبّاً مستقلاًّ من دون كونه جزءاً لواجب الوضوء، وقلنا بأنّ الواجب في المسح كون النداوة من بلّة الوضوء، فلا يجوز المسح به، فليس هذا الماء كماء الحاجب، فليس كلّ ما قلنا بدلالة أخبار من بلغ على الاستحباب الشرعي، يوجبُ جواز المسح بتلك البلّة، بل موقوف على ملاحظة دلالة الخبر الضعيف.
نعم، إن قلنا بدلالة أخبار من بلغ على الحجّية أو على الإرشاد،فلا يجوز المسح به قطعاً، لكونه ماءاً خارجاً عن الوضوء.
هذا ما يستفاد من كلام المحقّق العراقي في نهايته.
أمّا المحقّق الآملي: فقد ذهب إلى عدم إثبات الجزئيّة والشرطيّة من أخبار الباب إن قلنا بكونها من المسألة الفقهيّة، بخلاف ما لو قلنا بدلالة أخبار من بلغ على الحجّية، فيصير الخبر الضعيف كالموثّق والصحيح في الواجب،فيثبت الجزئيّة والشرطيّة على حسب دلالة الدليل.
ثمّ رتّب رحمهالله عليهما الثمرة بأنّ المستفاد من كون غَسل مُسترسل اللّحية جزءً للوضوء، فيصحّ المسح به ، وإلاّ لو كان الثابت أصل الاستحباب فلا.
أقول: ولكن الأولى أن يُقال:
إنّ ملاك جواز المسح ببلّة ماء مسترسل اللّحية بملاحظة دليل المسح:
إن كان يدلّ على أنّ الواقع هو المسح ببلّة أجزاء الوضوء،فيدور حينئذٍ جواز المسح بها وعدمه على كيفيّة دلالة دليل الخبر الضعيف، وأنـّه جزء أو مستحبّ مستقلاًّ؛ فعلى الأوّل يجوز بخلاف الثاني.
وإن دلّ دليل المسح على جواز المسح بالماء الذي يصرف في الوضوء، ولو بصورهالاستحباب،ولو لميكن جزءاً؛ فالمسح بمثل هذا الماء والنداوهجائز مطلقاً، إلاّ على القول بعدم إثبات الاستحباب أيضاً، فلا يجوز المسح به مطلقاً.
وأمّا إثبات الجزئيّة والشرطيّة بهذه الأخبار فغير بعيد، لأنّ أخبار من بلغ يدلّ على ثبوت الاستحباب الشرعي بإتيان ذلك الثواب، مع كلّ ما يحتوي الخبر، لا خصوص الثواب فقط.
وعليه، فكلام المحقّقالعراقي لا يخلو عن وجهٍ في المسألة الفقهيّة، كما لا يخلو القول بثبوت الجزئيّة والشرطيّة على كون مفاد الأخبار هو المسألة الاُصوليّة وهي الحجّية، لأنّ الخبر الضعيف إذا صار حجّة ثبت به الجزئيّة والشرطيّة، إلاّ أن يقال إنّه حجّة في خصوص الثواب،لا ما يترتّب عليه من الآثار، ولكن الالتزام بالتفكيك مشكلٌ جدّاً .
***
البحث عن شمول أخبار من بلغ للحرمة والكراهة وعدمه
البحث عن شمول أخبار من بلغ للحرمة والكراهة وعدمه
التنبيه الرابع: وهل يلحق الحرمة والكراهة بالوجوب والاستحباب، أم لا؟
أقول: ينبغي الإشارة إلى أنـّه بناءً على القول بالإرشاد، ليس مفاد أخبار من بلغ إلاّ بيان حسن الاحتياط والانقياد، وهذا المعنى كما يشمل الأعمال وما يترتّب عليه الثواب من الوجوب والاستحباب عند الاحتمال، كذلكيشمل التروك وما يترتّب عليها من الآثار، للقطع بأنّ ترك ما يحتمل الحرمة أو ما يحتمل الكراهة حَسَنٌ عقلاً وشرعاً، فلذلك قال المحقّق العراقي بالتعميم في صورة القول بالإرشاد، فلا فرق فيه بين كون الثواب مذكوراً أو غير مذكور، كما لا فرق بين كون الثواب مترتّباً على الفعل أو على الترك .
ولكن يظهر من كلام الآملي قدسسره عدم قبوله ذلك، إلاّ أنّ في ابتداء كلامه وانتهائه اضطراب، ولعلّه من المقرّر، لأنّ المفروض في أوّل كلامه المذكور في الأمر الرابع بحسب ترتيبه، كون المستفاد من الأخبار أنـّها مسألة اُصوليّة، والظاهر من هذه الجهة إرادة كون الأخبار دالّة على حجّية مطلق الخبر بحسب اصطلاح القوم، والحال أنّ المستفاد من تقريره لكلام المستدلّ بقوله: (لا فرق بين العمل بما هو مراد المولى من جهة الانقياد بين كونه لاحتمال الأمر أو لاحتمال النهي.. إلى آخره) أنّ الأخبار المذكورة تدلّ على الإرشاد.
وكيف كان، فأورد على المستدلّ بقوله:
(وفيه : أنّ الأخبار ظاهرة في العمل الغير الإلزامي الذي يكون لرجاء الثواب، ويكون ظاهراً في الوجوب، فلا يشمل الترك سواء كان إلزاميّاً أو غيره).