درس خارج اصول استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

95/02/12

بسم الله الرحمن الرحیم

نعم، الإشكال بأنّ الحكومة غير معلومة هنا، لعدم معلوميّة أنّ أخبار الباب ناظرة إلى تلك الأدلّة من جهة التفسير أو التوضيح أو التصرّف في جهةٍ من جهاتها ممّا به قوام الحكومة، وإن كان بظاهرها يوهم ورودها بذلك، ولكن بعد التأمّل في ملاحظة إطلاق أدلّة تلك الأخبار، من لزوم رعاية الشرائط الشامل للمستحبّات، فلابدّ أن يكون خروجها عن تلك الأدلّة بواسطة هذه الأخبار بالحكومة، بالنظر إلى خصوص المستحبّات، لأنـّها تكون حينئذٍ ناظرة إلى بيان إلغاء تلك الشرائط بالنسبة إليها .

نعم، عمل المشهور بقاعدة التسامح في أدلّة السنن لا يكون معلوماً بكونه لما ذكره، لإمكان أن يكون وجه عملهم أحد الوجوه المذكورة، وإن كان تمسّكهم بهذا العنوان ـ أي التسامح في أدلّة السنن ـ مؤيّد ومرجّح لذلك الاحتمال.

ولكن يُدفع بذكر الاستحباب الشرعي في كلامهم المؤيّد كون المسألة فقهيّة لا اُصوليّة.

أقول: ولكن الإنصاف استبعاد كون أخبار الباب واردة لإلغاء القواعد الاُصوليّة وهي إثبات حجّية خبر الضعيف، حتّى لا يكون للمقلّد فيها حظّ، وتكون الأخبار مختصّة للمجتهدين، بل الظاهر أنّ هذه الأخبار بصدد بيان حكمٍ فقهيّ يتعلّق بجميع الناس، وهو أنّ مَن بَلَغهُ ثوابٌ على عملٍ فليأت به حتّى يحصل ذلك الثواب، فيكون في مقام ترغيب الناس وحثّهم على القيام بأداء المستحبّات لئلاّ يفوت منهم بواسطة تركهم العمل بأخبار الضعاف عدّة من المستحبّات الواقعيّة، لما يشاهده المولى من أنّ الناس لا يهتمّون عند نقلهم لأخبار المستحبّات بوجود شرائط الحجّية، كما يلاحظون ويهتمّون بذلك في مثل الواجبات والمحرّمات، فكذلك يرى المولى أنـّه لو اعتبر في باب المستحبّات ما اعتبره في غيرها، لأوجب تفويت كثيرٍ من المستحبّات التي وصلت إلى الطبقات اللاّحقة بسلسلة رواة ضعيفة، ولم يلحظ فيها ما لوحظ في غيرها، ولذلك خاطبنا بمثل هذه الطائفة من الأخبار ليرغب الثواب على فعلهم.

وعليه، فلا منافاة حينئذٍ بأن يكون نفس العنوان الذي ذكرناه أمراً محبوباً للمولى، ومقتضياً لمصلحة جعل الاستحباب، لا لنفس العمل بذاته، بل بما أنـّه بلغه أنـّه ذو ثوابٍ، فيكشف الأمر المتعلّق بهذا العنوان بواسطة هذه الأخبار .

وأمّا كون العقل بنفسه يحكم بحسن ذلك، ليكون الثواب حينئذٍ ثواباً على الإنقياد والإطاعة الحُكميّة، كما يظهر ذلك من المحقّق العراقي والحكيم والخوئي وغيرهم تبعاً للشيخ رحمه‌الله في بعض كلامه .

أمرٌ غير مستنكر، إلاّ أنـّه لا يوجب أن لا يكون للشارع حكماً استحبابيّاً، لما قد عرفت تفصيل الكلام في باب حُسن الاحتياط، من إمكان الجمع بين حكم العقل بالحسن، وكون الشارع حَكَم بحكمٍ مولوي نفسي على استحبابه، ولعلّ هذا هو مراد المشهور، ولأجل كون الثواب مقتضياً حتّى مع وجود خبرٍ ضعيف، عنون أصحابنا هذا الأمر بالتسامح في أدلّة السنن، من دون أن تكون الأخبار مخصوصة لذلك، حتّى يقال إنّه مسألة اُصوليّة لا فقهيّة يكون للمقلّد فيها حظّ كما كان للمجتهد، كما أنّ نتيجة إعطاء الثواب مع هذا البلوغ هو حجّية الخبر،وترتّب الأثر عليه، ولو كان ضعيفاً، ولعلّه المعنى الذي أراده المحقّق الخراساني حيث عبّر أنّ هذه الأخبار تفيد الاستحباب لا نفس العمل مع صرف النظر عن البلوغ.

وعليه، فدعوى استحباب الإتيان بداعي تحصيل الثواب، وكون استحبابه كسائر المستحبّات دعوى غير مجازفة، وهذا ما اعترف المحقّق الخميني رحمه‌الله وإن قال بأنّ استفادة الاستحباب الشرعي فيها مشكلٌ، وأجبنا عنه بأنـّه لا إشكال فيه ويساعده كلام المشهور من أنّ مقصودهم من الاستحباب هذا المعنى، والله العالم.

وأمّا الاحتمال الثالث: وهو أن يكون الثواب ثواب الانقياد والإطاعة الحُكميّة، لأجل الإتيان بداعي المحبوبيّة كما في الاحتياط، غير مسموعٍ:

أوّلاً: لأنّ مقتضى ذلك ليس إلاّ المدح والثناء لا الثواب والأجر، وقد عرفت ظهور الأخبار في الاستحقاق المترتّب على العمل مع عنوانه، لا على وصف الفاعليّة المسمّى بالانقياد.

وثانياً: إن سلّمنا وجود الثواب في الانقياد أيضاً وليس هو كالثواب الموعود على العمل بواسطة البلوغ، مع أنّ ظاهر الأخبار هو إعطاء الثواب بما بلغه، فهو يؤيّد كون الثواب غير ثواب الانقياد كما لا يخفى .

وعليه، فالأقوى عندنا أنّ هذه الأخبار تدلّ على ثبوت الاستحباب الشرعي على العنوان الخاصّ وهو البلوغ، فيكون وزان هذا المستحبّ وزان سائر المستحبّات الشرعيّة، والله العالم.