درس خارج اصول استاد سیدمحمدعلی علوی‌گرگانی

95/02/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الوجه الرابع: أن يكون مفادها مجرّد الإخبار عن فضل الله سبحانه،من غير نظر إلى حال العمل وقبل صدوره، وأنـّه على أيّ وجه يقع، بل تكون ناظرة إلى العمل بعد وقوعه، وأنّ الله تعالى بمقتضى فضله ورحمته يعطي الثواب الذي بَلَغ العامل، وإن تخلّف قول المبلّغ عن الواقع، ولم يكن الأمر كما أخبر به، وحينئذٍ لا تكون الروايات بصدد بيان حال العمل قبل وقوعه وأنـّه مستحبٌّ، ولا في مقام بيان إلقاء شرائط حجّية الخبر الواحد في المستحبّات.

الوجه الخامس: بأن تكون الروايات من قبيل أخبار الاحتياط، يعني كأنّه أراد الترغيب على الاحتياط بإتيان ما يَحتمل الاستحباب، أو ما يحتمل الوجوب بطريقٍ أولى، وهو المستفاد من كلام صاحب «عناية الاُصول» حيث قال:

(بل رتّب على ما يظهر من الأخبار كما تقدّم قبلاً على العمل المأتي به بداعي البلوغ، وبداعي احتمال الثواب، وهو عبارة اُخرى عن الاحتياط،ولا كلام لنا في رجحانه عقلاً واستحبابه شرعاً، فتأمّل جيّداً).

هذه هيالمحتملات‌التيذكروهافيأخبار من‌بلغ‌فيمرحله‌الثبوت‌والتصوّر.

وأمّا الكلام في مرحلة الإثبات والاستظهار: فنقول:

أمّا الاحتمال الخامس: ففيه ما لا يخفى إن اُريد ما هو ظاهر كلامه،لوضوح أنّ أخبار الاحتياط أعمّ من أخبار من بلغ، لأنّ الثانية تختصّ بما إذا قام على شيء من الثواب حديثٌ ضعيفٌ ثمّ عمل به المكلّف، وهذا بخلاف أحاديث الاحتياط، فإنّها وردت في أصل الشُّبهات، سواء كانت الشبهة لأجل فقدان النصّ،أو قيام النصّ ضعيفاً، أو لإجمال النصّ، أو لأجل تعارض النصّين، فدعوى كونها من أخبار الاحتياط ممّا لا يمكن المساعدة معه.

ولعلّه قصد بتطابقهما أنـّه يستفاد من تلك الأخبار الاحتياط في الإتيان بالمستحبّات المحتملة، فله وجه وإن كان خلافاً لظاهر كلامه.

البحث عن مدلول أخبار التسامح

البحث عن مدلول أخبار التسامح

وأمّا الاحتمال الرابع: بأن يكون مفاد الأخبار هو الإخبار بالنظر إلى حال ما بعد وقوع العمل لا حال صدوره وقبله، فيكون إخباراً عن تفضّل الله ورحمته لمن عمل، حتّى لا ينافي كون عمله بالأخبار مطابقاً بما هو المعتبر في مقام العمل به من الوثاقة والعدالة.

وبعبارة اُخرى: لزوم رعاية شرائط العمل بخبر الواحد في المستحبّات، بمثل ما يجب مراعاتها في الواجبات.

ففيه: أنـّه بعيدٌ عن ظاهر تلك الأخبار، لأنّ الظاهر كونها مسوقة لبيان حال العمل قبل صدوره من العامل، والحثّ والترغيب نحوه بالإيجاد، إذ بلوغ الثواب كناية عن ثبوت مقتضيه، خصوصاً المتضمّنة منها لذكر الأجر، الظاهر في الاستحقاق لا التفضّل، لكن استحقاقاً قد جعله الشارع على نفسه تفضّلاً منه.

مع أنـّه لا ينحصر وجه صدور العمل كونه عن اعتمادٍ على قول المبلّغ بما يعتمد عليه في سائر الموارد، لأنـّه كما قد يكون الخبر الصحيح داعياً على العمل، كذلك قد يكون الدّاعي عليه هو الاحتمال ورجاء المطلوبيّة، ورجاء الوصول إلى الواقع، خصوصاً في الأحكام غير الإلزاميّة، ومعه لا يبقى مجالٌ لحمل تلك الأخبار على صورة كون الخبر واجداً لشرائط الحجّية .

فبقي هنا احتمالان أخيران مذكوران هنا :

أمّا الاحتمال الأوّل: وهو كون نفس العمل بملاك البلوغ مستحبّاً مولويّاً وهو الذي يظهر من صاحب «الكفاية»، حيث صرّح بذلك بقوله بعد نقل حديث هشام؛ أنـّه ظاهرٌ في أنّ الأجر كان مترتّباً على نفس العمل الذي بلغه عنه أنـّه ذو ثواب، فمعنى هذا هو كون البلوغ بنفسه موجباً لتحقّق مصلحةٍ في العمل نفسه حتّى يجعله محبوباً عند الله، ولو كان في الواقع خلاف ذلك .

وقد نسب المحقّق الخراساني هذا الاحتمال إلى المشهور، حيث قال في آخر كلامه بعدما جعل المقام من‌قبيل ماورد في (من سرّح لحيته فله كذا) الكاشف عن أنّ التسريح محبوبٌ ومأمورٌ به بالأمر الاستحبابي من هذه الجهة، قال: (ولعلّه لذلك أفتى المشهور بالاستحباب، فافهم وتأمّل)[1] .

 


[1] كفاية الاُصول: ج2 / 200.