95/01/18
بسم الله الرحمن الرحیم
أو يفصّل بتفصيلٍ آخر يظهر من المحقّق الهمداني في «مصباح الفقيه» بالقول بالتفكيك :
بين ترتيب الآثار على أصالة عدم التذكية من الآثار المترتّبة على هذا العدم، أي عدم التذكية، مثل عدم الحليّة، وعدم جواز الصلاة فيه، وعدم طهارته، فإنّه يثبت بواسطة أصالة عدم التذكية، عدم حليّة أكل لحمه، وعدم طهارته، وعدم جواز صلاته، وغير ذلك من الأحكام العدميّة التي تنتزع من الأحكام الوجوديّة التي تكون التذكية شرطاً في ثبوتها، فبالأصل يترتّب تلك الأعدام.
وبين الآثار المترتّبة على كونه غير مذكّى، أو كونه ميتة قبل حرمة أكله أو نجاسته، أو تنجيس ملاقيه، أو حرمة الانتفاع ببيعه، فبأصالة عدم التذكية لا يترتّب تلك الآثار، لأنـّه لا يثبت ذلك الأصل كونه ميتة وكونه غير مذكّى.
أقول: ذهب الشيخ الأعظم، وصاحب «الكفاية»، و «الحقائق»، و «فوائد الاُصول»، و «نهاية الأفكار» إلى عدم التفصيل بين الآثار، بل إنّ النجاسة والحرمة تعدّان من آثار عدم التذكية فيثبتان بالأصل، خلافاً للمحقّق الخوئي ـ تبعاً للفاضل النراقي، بل وهكذا شارح «الروضة»، بل نَسب الخوئي ذلك إلى الشهيد ـ من القول بأنّ الأصل في اللّحوم هو الحرمة والطهارة.
ومنشأ توهّم التفصيل وقع من جهتين:
الجهة الاُولى: الشكّ في أنّ الميتة هل هي متّحدة مع غير المذكّى أم لا؟
فإن لم يكن متّحداً تكون النجاسة معلّقةً على عنوان أمرٍ وجودي وهو الميتة، فبأصالة عدم التذكية لا يثبت الحيوان الذي ذُبح كونه ميتة،لكون الأصل حينئذٍ مثبتاً بالنسبة إليه.
هذا بخلاف ما اعتبرناهما شيئاً واحداً كما ادّعاه الشيخ، فإنّه في هذه الصورة كما يثبت أصالة عدم التذكية حرمة لحمه يثبت نجاسته.
ويرد عليه أوّلاً: بصحّة كلام الشيخ قدسسره .
وثانياً: لو سلّمنا كونه غير الميتة، ولكن المتتبّع في الروايات يفهم أنّ الشارع كما حكم بنجاسة الميتة هكذا، قد حكم بنجاسة غير المذكّى، الذي هو عنوان عام يشمل حكم الميتة، وهو الموت حتف الأنف أيضاً، فإذا جرى أصالة عدم التذكية، فهي كما يُثبت الحرمة يُثبت النجاسة أيضاً بواسطة إثبات كونه غير مذكّى، الذي هو عبارة عن عدم التذكية، وليس بأمرٍ آخر حتّى يقال إنّه أصلٌ مثبت.
الجهة الثانية: بما قد ذُكر عن شارح «الروضة» بأنّ ما حَلّ أكله من الحيوانات محصورٌ معدودٌ في الكتاب والسُنّة، وكذلك النجاسات، فالمشكوك ـ كالمتولّد من حيوانين ـ يكون الأصل فيه إذا لم يدخل في المحصور منهما هو الطهارة وحرمة لحمه، لأنّ تعليق حكمٍ على أمر وجودي، يقتضي إحرازه، فمع الشكّ في تحقّق ذلك الأمر، يُبنى ظاهراً على عدم تحقيقه، لا من جهة استصحاب العدم، إذ ربّما لا يكون لذلك الشيء حالة سابقة قابلة للاستصحاب، بل من جهة الملازمة العرفيّة بين تعليق الحكم على أمرٍ وجودي، وبين عدمه عند عدم إحرازه، وهذه الملازمة تُستفاد من دليل الحكم لا ملازمة واقعيّة، بل ملازمة ظاهريّة، أي في مقام العمل يُبنى على عدم الحكم مع الشكّ في وجود ما علّق الحكم عليه، هذا فكأنّه أراد أنّ النجاسات معدودة كالميتة والدم وغيرهما، وليس الحيوان الثالث منها، كما أنّ حِلّ التناول قد عُلّق على الطيّبات، وهي معدودة، وليس الحيوان منها، لعدم إحراز العنوانين فيه، فالمرجع حينئذٍ إلى الأصل فيه.