94/12/13
بسم الله الرحمن الرحیم
تنبيهات باب الاحتياط
أقول: هنا اُمورٌ مهمّة ينبغي التعرّض لها والتنبيه عليها:
التنبيه الأوّل: أنّك قد عرفت من المباحث السابقة بأنّ موضوع البراءة العقليّة هو عدم البيان، فإذا ورد بيانٌ من الدليل الاجتهادي أو الأصل، رافعٌ للشكّ ولو تعبّداً، يتقدّم على البراءة العقليّة تقدّماً بالورود أو الحكومة، كما أنّ موضوع البراءة الشرعيّة هو الشكّ وعدم العلم، فإذا جاء ما به يزول الشكّ ولو تعبّداً، يكون مقدّماً بالورود أو الحكومة، من غير فرقٍ فيه :
بين كون الشبهة موضوعيّة، مثل ما لو علم بخمريّة مايعٍ ثمّ شكّ في انقلابه خلاًّ، فإنّ جريان استصحاب خمريّته يرفع موضوع أصالة البراءة عن حرمة شربه.
وبين كون الشبهة حُكميّة كما إذا شكّ في جواز وطي الحائض بعد انقطاع الدم وقبل الاغتسال، فإنّ استصحاب الحرمة السابقة على تقدير جريانه يوجب المنع عن جريان أصالة البراءة ، لأنّ ذلك الأصل يرفع الشكّ ، فيرتفع موضوع أصل البراءة.
وقد عُبّر عن الأصل بالأصل الموضوعي، كما يشاهد في كلمات الشيخ قدسسره، ويوهم هذا التعبير كون وجه تسميته هو جريانه في الموضوع، أي هو اسمٌ لجريان الأصل في الموضوع، مع أنـّه ليس كذلك، بل المقصود من هذه التسمية كونه رافعاً لموضوعالأصلالآخر،فالتسميهيكونمجالالمتعلّق لا مجال نفسالأصلالجاري.
وأيضاً: لا فرق في تقدّمه على الأصل الآخر، بين أن يكون مفاد هذا الأصل موافقاً للأصل الجاري منالبراءة فيالحليّة والطهارة أو مخالفاً، فما كان مخالفاً قد عرفت المثال في الموردين من الشبهة الحكميّة والموضوعيّة. وأمّا ما كان موافقاً وهو كما لو فرضنا أنّا نعلم حيواناً بأنـّه يقبل التذكية كالغنم مثلاً، فشكّ فيعروض المانع عليه كالجَلل ، فاستصحاب عدم عروضه يوجب الحكم بحليّته وطهارته، وهو مقدّمٌ على أصالة الحليّة والطهارة، مع أنّ نتيجة ذلك يوافق الأصلين.